عوض الشاعري
حكايتي مع الكلاب حكاية قديمة جدا .. ربما بدأت عندما غرس كلب هرم بقايا أنيابه في قدمي الصغيرة و أنا أحبو قرب أغنام جدتي ، ربما نسيت ألم تلك العضة الغشيمة إلا أن أثرها ترك ندبة واضحة لازالت تزعجني كلما خلعت حذائي.. قالت أمي : كان كلبا أسوداً سقطت معظم أسنانه عدا نابين حادين تعلوهما صفرة ،
و كان صاحبه يناديه ..ريكس.. ربما لأقدميته في حراسة قطيع الماعز الذي كان يمتلكه آنذاك… منذ تلك الحادثة و أنا لا أخشى الكلاب ،فقد خبرتها جيدا و تعلمت أن الكلب الساكت أكثر خطرا من الذي يضيع جهده في النباح .حاولت كثيرا مهادنة هذه المخلوقات فلم أفلح ،لأنها كانت تناصبني العداء بمجرد اقترابي منها أو ملاطفتها أو حتى عندما أقدم لها بقايا الطعام الذي كانت ترسلني والدتي لوضعها في صندوق القمامة،
كنت استغرب من هذا العداء و اعتبره غير مبرر من قبل كائنات مزاجية تكره لمجرد الكره كل من يحاول العطف عليها و في ذات الوقت تستكين لكل الأقدام التي تركلها في السوق و تهش بذيولها طلبا لفضلات الزبائن ،و تعوي بإذلال تحت وطأة العصي التي كان الأطفال يلهبون بها ظهورها العجفاء.كنت أرجع ذلك لغباء هذه الكائنات و خسة طباعها ، رغم ما يشاع عنها من وفاء و صبر و قوة تحمل و أمور أخرى تجعلها أرفع درجات مما أكتشفته فيها, و قررت أن لا أكترث بها و أن لا أعيرها اهتمامي .
و أظهر لها لا مبالاة تليق بما عرفته عنها من خلال تجاربي الطويلة.فكنت حينما يصادفني كلب, انشغل عنه بالنظر إلى شيء ما ، كأن أجول ببصري في المكان و كأنني لا أراه ،أو أحاول ترتيب هندامي و استعراض عضلاتي الصغيرة و أنا أشمر عن ساعدي ببطء ،و أعمل بنصائح صديقي التي كان يرددها كثيرا :–
لدى الكلاب حاسة شم قوية تستطيع أن تشم رائحة غدة العرق بسهولة أثناء خوفك .– إذا نظرت في عيني كلب شرس و قرأت سورة ما فسيتحول إلى مجرد جرو هزيل في الحال– أول ما اتجي للنجع يلاقنك كلابه !!– لا تضرب كلبا قبل أن تعرف صاحبه– الكلب اللي ينبح ما تخاف منه– ” نصرة اكلاب “– ” أمسك في ذيل الكلب لتتخلص من الغرق”– البحر فيه كلبكانت كل هذه النصائح تثيرني و أحاول أن أجربها على ما صادفني منها .. و أتلذذ حينما تنجح هذه الوصفة العجيبة ،لكن الذي لم ينجح حتى الآن هو استمرار الكلاب في معاداتي و إن ابتعدت عن مشاكستها ،لدرجة أنني كتبت حولها عشرات القصص و عنونت بعض كتبي باسمها. و لا تزال كلما تراني ترفع عقيرتها بالنباح.