- عبير خالد يحى
في أول الموج،
تمدُّ القصيدةُ قدمَها كطفلةٍ
تجربُ دفءَ الرمل،
وتضحكُ حين يلعقُ الموجُ كعبَها.
رائحةُ ملحٍ تتسللُ إلى حروفها،
صوتُ الأصدافِ يُربّتُ على قافيتها،
والنسيمُ يداعبُ شعرَ المعنى…
هكذا تبدأ.
الصوت: حفيف نسيم يهمس بين الحروف.
الرائحة: عبير طحالب دافئة، ملح يوقظ القلب.
الملمس: بلل خفيف يلتف على الأصابع.
ثم تهبطُ القصيدةُ إلى زُرقةٍ أعمق،
حيثُ النورُ شظايا
والصمتُ لغةٌ بلا أبجدية.
تصيرُ لؤلؤةً مكسورة،
تلمعُ في ظلمةِ الأعماق،
تغني مع الحيتان قصائدَ لا يسمعها أحد،
وتزرعُ في كلِّ موجةٍ سؤالًا بلا جواب:
“من أنا حين أذوب؟“
الصوت: غناء الحيتان، صدى بعيد يلامس قاع الصدر.
الرائحة: بخار مالح، يشبه دمعًا قديمًا.
الملمس: ضغط مائي، دفء غامض، حضن لا يُرى.
الضوء: شقوق فضية، تشبه عروقَ قمر غارق.
في آخر اللقاء،
تصحو القصيدةُ لتدرك الحقائق
كلُّ شاطئٍ وهم،
كلُّ موجةٍ عابرة،
وكلُّ قافيةٍ مرآةُ غياب.
تصعدُ من عمقها
حافيةَ الدمع،
تجرُّ وراءها رنينَ الأصداف،
وتنثرُ الزبدَ كأجنحةٍ مبتلّة،
تقول:
“أنا الماء حين يكتب،
أنا الصوت حين يصمت،
أنا الغرقُ الذي يعلّم اليابسةَ معنى النجاة.”
الصوت: رجع خفيف، يشبه تنفس الليل.
الرائحة: رائحة شروقٍ على حافة موج.
الملمس: هواء بحري يقرص الروح بلطف.
الضوء: خيوط فجرٍ ذهبيّ تخرج من خاصرة البحر.
وحين تهمّ بالرحيل،
تلتفتُ خلفها،
فتجد البحرَ يبتسم،
والموجةَ تكتبُ اسمها الأخير في الرمل،
ثم تمحوه…
هكذا،
تبقى القصيدةُ عالقةً في الملوحة،
قصيدةٌ لا تُقرأ،
وإنما ..تُتَنَفّس.














