سعاد سالم
لحكاية 1
في صيف بعيد عجبني أن اقرأ كتاب سيرة الأنبياء،ل ابن كثير، تناولته من ستفة الكتب، ثم تناولته من لغلاف للغلاف، وأعجبت بنبيين بشكل خاص غاية الأعجاب، حتى أن قلبي رفرف ساعتها، وأنا اتابع السرد كما لو كانت شاشة سينما في رأسي، كما وأنني قرأت سيرتيهما ، مرة وتنين وتلاتة، أما النبي الأول ، كان سيدنا إبراهيم الخليل، أغرمت به وهو المتأمل ، المحملق في السماء، شديد التفكير، ويحب أن تقنعه الأشياء والرموز وحتى سر الوجود والإله ليمكنه التصديق، هذا العناد الذي جعله يشذ عمّا كان عليه أبوه وجده، لم يرغب في عبادة ماقيل عنها آلهة، وحين اثقلوا عليه النكران، أمسك القادومة، وهوى على آلهتهم، وترك لهم واحدا ليسألوه عمن أعمل في آلهتهم التكسير،
النبي التاني، من التقمه الحوت فيما كان جافلا من قومه الذين أغلقوا آذانهم وأفئدتهم عن دعوته، فركب القارب ، وأبحر كما لو كانت مفتتح لمهاجرين لطالما عبروا البحار و التقمت أجسادهم الحوت، ولكن في كتاب السيرة لابن كثير،، كان ثمة قصة لم تنتهِ بيونس عليه السلام في بطن الحوت مفتتا ، إنما فتح حوت العنبر، فيما عرضته شاشة السينما التي في رأسي، فتح فكيه المخيفين وصنعت مياه المحيط دوامة تنتهي في بطن الحوت كل ماتجذبه، وهكذا جعلت أتخيل، القارب المهشم وسيدنا يونس( القصة إنه كان أضحية لتهدئة العاصفة بعد قُرعة وقعت عليه لثلاث مرات)، يونس أو يونان كما يعرف في الغرب في جوف الحوت ظل يصلي لربه ويعتذر منه ، ويتعوذ من الغضب والقنوط، ويغلّط في روحه(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فاستجاب له، وهكذا قذفه الحوت ربما كما حدث مع سندباد من الفتحة العليا، خرج مع الماء من فتحة التنفس في أعلى رأس الحوت، وهكذا كفتاة صغيرة خصبة الخيال، أجعل من كل ما اقرأ واسمع كارتون مسلي وأكثر حماسة، أحببت يونس أكثر وورق اليقطين تضمد جسده الممضوغ، كانت اليقطينة أما لمولود جديد.
لكن هل ننظر إلى القصة كمعجزة إلهية، وهذا أكثر مايركز عليه، كما قرأت لاحقا ، أم التركيز على أن يونس عرف سبب محنته؟ سرد القصص هى الطريقة الأكثر قوة ، إذ كانت الأسلوب المعتمد لإيصال المعرفة،لأنه من الكلمات التي سمعتها كثيرا أثناء هدرزة حناي مع بناتها، أو جاراتها، تغلّط/يغلّط في روحه، على أنه علّو في التربية، والعقل، لذا هذه الكلمات الوجيزة إنما مستنبطة من الحكمة المراد إيصالها من قصة النبي يونس، أن يتحمل الانسان مسئولياته المناط بها، إنه مكلف، وكل مكلف ملزم، لذا من يهرب من واجبه، إنما له حوته الذي ينتظره، إنه النفس اللوامة والتي حين نظنها انتهت من اللوم إنما هى تبلعنا، وأننا نقبع في ظلمات الشعور بالذنب، والواعي منا فقط، هو من يفكر وهو في العتمة ويغلّط روحه، ليلفظه حوته، وأن اليقطينة بورقها ذو النسيج الناعم سوف تحنو على ضميره و تداويه، فيلم شتاته ويولّي علي تالياته، كما تصف اللغوة ختام قصة يونس، تحمل مسئوليته عن أفعاله كراشد، ورشيد.
الخرّافات التي ظللت أسمعها كل ليلة في طفولتي السعيدة جنب حنّاي ، كانت كنز من المعارف، الخيال مسلي، و لكن ثمة ما يترسب في النفس من مفاهيم كعبر من هذه الخرّافات الممتعة، درس لابد أن راكم في داخلي الهدف من وراء الحكاية، وهكذا نشأت لحوحة في السؤال، وأجيد قراءة مابين السطور، وأرى ما وراء الكلمات، ولم تغلبني قط المفردات الفالصو حتى الآن، و لا توارت عن ذهني المعاني، ولأن ذلك كان زمن الحكمة الليبية، كان ولايزال ضرب المعاني، هو شعار لعلم كما أصنفه، اسمه لحكاية هدفها إيصال المعارف والقيم والتي تسمى في مجملها عبرة، والتي تعني الدليل، وليس كما هو شائع من أنها تحل محل مفردة العقاب، العبرة= خارطة طريق، لتجنب الطياح في البير.
لحكاية 2
وللنساء نونهم الخاص في رأي، والذي يبتلعنا حتى كأن ولادتنا الأولى هى مجرد بداية، فمنذ أن نصعد في العمر والفهم، يبتلعنا حوتنا، الذي كما أخبرتكم إنما هو الشعور بالذنب، ولكن ماذا يجلب الشعور بالذنب؟ سؤال مهم إن طرح على النساء لن تعرف أغلبنا الجواب، لكن الشعور بالذنب يعطي انطباعا من أن الشخص ارتكب ذنبا يعرفه، وسيكون الاتهام الذي نواجه به أنفسنا خطيرا إذا ما قاله أحدنا لشخص ما، لأنه سينتظر الخطوة التالية أن نعترف به.
في 2021 سألني الطبيب النفسي لماذا تشعرين بالذنب، وظل يحملق في وجهي، حسنا لو كنت أعرف لما جئتك، هكذا تمتمت ، وخرجت يومها من عنده ولم أعد، ولكن بالقليل من التأمل والملاحظة، الشعور بالذنب ينبث في عقولنا أطفالا، فالشعور بالذنب الغامض الذي يبتلعنا، يراكمه النقد، والاتهامات، والأحكام المسبقة، إنها دائرة من المغالطات التي تسمح لحوت من دون فتحة تنفس ليدفعنا خارجه، أن يزمطنا ونرضى بذلك لأننا في لاوعينا نظن أننا نستاهلوا ، فالشعور بالذنب هذا يولد كراهية تجاه الذات، وبسبب تحميل المسئولية عن كل ما هو شرير وسلبي للبنات منذ بدايتهم كأجنة موؤدة أو مجهضة بسبب النوع، أو مواجهتهم برفض وجودهم كجندر واعتبارهم عبء، ناهيك عن تحميلنا مسئولية نزول آدم من الجنة، تكفي لأن تجعلنا ذوات نون، نون تتبع جمع الإناث، نون تمييزية، تستثنينا من الخطاب، لذا أحب لغوتنا في اطرابلس التي لاتلقظ النون في جمع الإناث،وبذا حين يخاطب الذكور لانعتبر أنفسنا ذائبات في واو الجماعة، كما وأننا لانشعر بأننا مستثنيات من الخطاب الموجه بواو الجماعة لأننا باختصار نقولوا لجمع الإناث، اسمعوا يابنات!