عيد العمال

عيد العمال

بقلم :: عبد الرحمن جماعة

أن لا يكون في بلدك عمال فهذا سبب للتخلف، ونتيجة له..

لكن أن يكون في بلدك عيد للعمال مع غياب العمال فتلك أم العجائب.

قد يظن البعض أنني بالغت وغاليت في هذه المقدمة، لكنني في الحقيقة عاجز عن وصف استغرابي وتعجبي واندهاشي من عمق الخيبة، و(صحة الوجه)، وقمة الانحطاط، والصفاقة، والبلادة، والوقاحة، والدناءة.. ونحن نحتفل بعيد العمال، وفي كل عام.

ولكي تعرف أنني لم أبالغ ولم أغالِ، فعليك أن تتخيل ميتاً يحتفل بعيد ميلاده، أو مُطلقة تحتفل بذكرى يوم زفافها، أو طفل في سنة أولى ابتدائي يحتفل بنيل شهادة الدكتوراه، أو مجبوب يحتفل بزواجه!

ولكي تُدرك شعوري.. عليك أن تتصور كيف يمكن لشعبٍ أن يحتفل بعيد العمال بتعطيل العمل في بلد لا عمل ولا عمال فيه!

ولكي تعرف حجم الصدمة التي أعيشها عليك أن تحسب نتائج عملنا منذ أن انبجست عيون النفط تحت أقدامنا الحافية قبل ستين عاماً!

ولكي تتصور حجم المأساة، ومقدار الابتلاء، وعِظم الشقاء.. فعليك أن تُقارن إنجازاتنا في العقود الست الفارطة بحجم آلاف المليارات العائدة من أنابيب الذهب الأسود.. هذا من جهة!

ومن جهة أخرى.. بحجم إنجازات بلدان أخرى لم تمتلك معشار ما امتلكناه!

العمال الذين نحتفل بعيدهم لا يعملون، وإن عملوا لا يتقنون، وإن أتقنون يمنون!

العمال الذين نحتفل بعيدهم محرومون من حقوقهم، مغبونون في عرقهم، مظلومون في أجورهم، محتَقرون في مجتمعهم، منبوذون في محيطهم!

العمال الذين نحتفل بعيدهم نصفهم أجانب لا يعني لهم هذا البلد شيئاً، ونصفهم من أهل البلد الذين يحلمون بالهجرة منه وتركه، والنصف الثالث يتقاضون مرتبات نظير نومهم لأنهم لم يُدركوا أن الأجر لا يصح بلاالعمل، كما أدرك أنا بأنه لا يُوجد ثلاثة أنصاف في أي قسمة!

أيها الليبيون..

لم يعد يؤلمني أنكم لا تعملون، ولم يعد يؤلمني أنكم لا تعلمون!

لكن الذي يؤلمني حقاً، ويقلقني فعلاً، ويؤرقني ليلاً ونهاراً.. أنكم تحتفلون بأنكم تعملون!

أيها الليبيون..

إن القرية التي تقبع في عمق الصحراء لا تحتفل بعيدالنيروز، وإن الأصلع لا يشتري مشطاً، والأعمى لا يشتري مرآة، وإن السروج مصنوعة لأرباب الخيول وليس لغيرهم!

أيها الليبيون..

كنت أتمنى أن أكون مخطئاً؛ لولا زحام العاشرة صباحاً!

وكنت أرجو أن أكون كاذباً؛لولا كثرة العمالة الأجنبية في بلد يُعاني من البطالة!

وكنت آمل أن أكون مبالغاً لولا الوظائف المزدوجة، وتعيين من لا يستحق التعيين، وتوقيع الموظف عن زميله، والخروج بدون إذن، والغياب بغير مبرر!

أيها الليبيون..

كيف تحتفلون في بلد يتقاضى مجرموهأعلى المرتبات، ويعتلي مفسدوه أعلى الدرجات، ويعيش مواطنوه في بؤسٍ ومأساة؟!

أيها الليبيون..

لا تحتفلوا، فإنه أندى للوجه، وأقرب إلى الحقيقة، وأبعد من الصفاقة، وأولى من الاحتفال بالمآسي والنكبات!

فالعيد ليس عيدكم..

والفرح ليس فرحكم..

والوقت ليس وقتكم..

فقط.. لأنكم لاتعملون.

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :