- د : سالم الهمالي
قبائل “المسايا”
لا شيء يقربك معيشة الانسان القديم كالوقوف على نمط الحياة التي لازالت تعيشها بعض قبائل “المسايا” في أدغال افريقيا، حيث قضينا بعض الوقت في احدى قراهم.
انحرفت بنا السيارة عن الطريق العام، تعبر اراضي وعرة حتى وصلنا الى مشارف إحداها، وجدنا ابن شيخها في مقدمة المستقبلين ومعه ثلاثة من المرافقين، تعرفنا عليهم اذ كانوا يتحدثون الانجليزية، بعدها بدأت مراسم الاستقبال. اصطفوا بطريقة منظمة بملابسهم المزركشة وعصيهم يغنون بصوت واحد مرددين ما يقوله قائدهم الذي يسير قريبا من نافخ البوق. النساء في احد الأطراف والباقي صف الرجال.
اخبرنا ابن شيخهم، ان والده متزوج من اربعة عشر زوجة، وله ذرية كبيرة (٦٤) فرد، وانه سيتزوج حين يمتلك عشرة ابقار، اي لكل زوجة عشر بقرات (مهر).
قريتهم الصغيرة يسكنها بعض زوجات والده، لكل واحدة منهن بيت طيني (عشة)، تتكون من مخدع للزوجة وآخر للاطفال، من ان تدخلها حتى تتعجب كيف يمكن للانسان ان يعيش فيها، ناهيك عن امكانية القيام بالوظائف الطبيعية في هذه المكان الضيق، اعوام من القصب مغطاة بالطين وروث البقر. لا يوجد اكثر مما ذكرت سوى مكان صغير في مناصب للطبخ لا تتجاوز العادة ١ x ١ متر. الأثاث شبه معدوم!
حول البيت اطفال صغار، بعضهم رضيع، تبدو عليهم ملامح البهجة والفرح، بالرغم من ان نصف ابدانهم عارية.
يعيشون على الحليب من الماعز والبقر، مع عصيدة من الذرة، اما اهم اغذيتهم التي قالوا انها تعطيهم طاقة فهي حليب الماعز مخلوط بدم البقر!!
القرية محاطة بسياج من اعواد الشجر اليابس، لها مدخل يغلق في الليل، لمنع دخول الحيونات المفترسة، كما ان القرية يتوسطها زريبة البقر، ليكون الحليب مصدر غذائهم قريب منهم، وأيضا لحمايتها.
ينتعلون احذية، مصنوعة من اطارات السيارات، يفضلون مليون مرة عن احذية (نايك) وغيرها من العلامات التجارية المشهورة. قالوا انها تعيش لسنوات ويمكن ان تشق بها الجبال.
شهدنا طريقتهم في إشعال النار، بعملية فيها احتكاك بين نوعين من الخشب، هش وصلب، ينتج عنها رماد ساخن سرعان من تنطلق منه طشاش النار، الذي يضعونه على جلة الحمير (اكرمكم الله)، ينفخوا فيها فتشتعل النار …
النساء رؤوسهن عارية وحليقة، وآذانهم فيها دناديش في كل مكان، اما الرقبة فحولها أشياء مطرزة. الرجال يذهبون الى الغابة للصيد واحضار الغذاء، النساء للرعي وخدمة البيت في العموم.
قالوا ان هناك من هم اكثر بدائية من هولاء، لكن لا اظن ان هناك الكثير اكثر مما رأينا…
شاركناهم الفرح والقفز … تركتهم، عندي سؤال:
– كم ثمن عشر بقرات بالدينار الليبي؟!