- المهدي : يوسف كاجيجي
قبل ان تتأسس وكالة الأنباء الليبية كانت مصادر الاخبار المحلية نحصل عليها من الإذاعة الليبية، وعلى أيامنا في الستينات كان المسؤول هو الاستاذ ابراهيم القماطى رحمه الله. كان خلوقا متعاونا، نحصل منه على نسخ اضافية من نشرة الاخبار المحلية التي كانت تذاع الساعة التاسعة مساء. كان مكتبه مكان تجمُّع نتبادل فيه الاخبار وحكايات ما وراء الكواليس، عند تشكيل حكومة جديدة او تغييرات هامة في مناصب الدولة.
كانت المراسيم الملكية تأتى مباشرة من الديوان الملكي في أظرف مغلقة بالشمع الأحمر، يتم فتحها قبل النشرة لإذاعتها. كان الوزراء وكبار المسؤولين يقومون بالاتصال به لمعرفة الأخبار قبل إذاعتها، وكانت ردوده جاهزة، لمن شمله التشكيل الجديد كان يقول له: مبروك عليك يا ” بي ” بتجديد الثقة الملكية الكريمة لحضرتكم. ولمن أخرج من الوزارة: والله فرحت ليك يا ” بي ” افتكيت هادى حكومة عمرها قصير إن شاء الله في التشكيلة القادمة.تداول على الطريقة الليبيةإذن لعبة التداول السلمي للسلطة كانت تدار من قبل الملك إدريس بحكمة، تبعا للتركيبة الاجتماعية والمناطقية، من خلال توازن دقيق. في عهده تداولت احدى عشرة حكومة على الحكم، كان أولها السيد محمود عمر المنتصر من الغرب، وآخرها السيد ونيس القذافى من الشرق، مع استثناء وحيد عندما تم تكليف السيد محمد عثمان الصيد من الجنوب، بتشكيل الحكومة الخامسة.
إضافة إلى أن عدد الوزراء كان شبه مناصفة ما بين الشرق والغرب، ووزير واحد من الجنوب حتى ولو كان بدون وزارة وعرف عن الجنوبيين سعيهم لوظيفة وكيل وزارة، وهو اختيار ذكي. أما رئاسة المجالس التشريعية فكان رئيس مجلس الشيوخ من الشرق والنواب من الغرب.يا أنا.. يا أنت!!اختلفت الأمور، وتغير الرجال. تجربة فبراير طرحت منذ البداية الإقصاء للآخر. ورفعت شعارات (أنا …. وما بعدى الطوفان) – (يا أنا … يا أنت) – (المكان لا يتسع لأثنين). الغرب لم يعد غربا، والشرق لم يعد شرقا. والجنوب التعس دائما، ترك وحيدا، أمام غزو استيطاني قادم من وراء الحدود تمتد اثاره مستقبلا على خريطة ليبيا الجغرافية والسياسية. اختلفت الولاءات لوطن كان ملء الكف، وتحوّل الي مجموعة من الشراذم، وتفتتت الدولة، وتمزقت التركيبة المتداخلة للنسيج الاجتماعي الفريد، للتركيبة الاجتماعية الليبية، واختفت المحبة والتلاحم الوطني، وتمترسنا وراء الأجنبي، وفقدنا العقل والبصر والبصيرة ، وزرعنا الكراهية فيما بيننا، ودفعنا بأبنائنا من أجيال المستقبل، وقودا لحرب قذرة سيكون حصادها مرارة ودمارا وكراهية لعقود طويلة مقبلة.
شعاع من النور وبصيص من الاملايها السادة أنا لا اطعن في وطنية أحد، فكل المتصارعين في المشهد اليوم بكل اتجاهاتهم والوانهم يحملون بعضا من الحب لهذا الوطن، كل على طريقته، ولم يبق امامنا سوى أن نجمع ما تبقى لنا من حب لهذه الارض ولنجتمع معا، ونجلس معا، ونتنازل لبعضنا البعض. ليس لدينا حل غير ذلك لننقذ ما تبقي انقاذه.ايها السادة! اوقفوا حالة الفحيح المتواصل لبث الكراهية والحقد بين اشقاء الوطن الواحد، اعطوا فرصة للتجربة السياسية الجديدة، لنختلف ونتصارع سياسيا تحت مظلة الوطن الواحد ليبيا، وفى نطاق الوطن الجامع الذي ورثناه موحدا، وعلينا ان نورثه موحدا، وعلى كل جيل أن يضيف بصمته. وطن يحكمه القانون، كل ابنائه سواسية لا فرق بينهم سوى ما صنعت أيديهم، ولا تمييز بينهم سوي حجم ما قدموه من عطاء. اتركوا شعاع النور وبصيص الآمل الذي بزغ في ليالي الظلمة الليبية الطويلة ان يأخذ طريقه، لعله يملا الدنيا نورا حولنا.•
الصورة: السيدة ستيفاني ويليامز الليبية، هل تنجح فيما فشل فيه الآخرون؟.