بقلم :: حسن المغربي
أستيقظ عند الساعة السابعة تقريبا على صوت الزوجة وهي تصيح: هيا يا أولاد.. وقت على المدرسة.
تململ على فراشه كالعادة وأخذ يتأفف، ثم نهض متكاسلا، ولا يوجد في رأسه في تلك الساعة سوى شيء واحد؟ كيف ينتهي من ضجيج الزوجة الذي لا يُحتمل.
ارتدى ملابسه، وخرج مسرعا نحو العمل، هو يعلم بأن كوب القهوة الذي يصنعه (أبو العربي) في انتظاره بالمكتب.
ما هذا اليوم.. المفتاح لا يدور!
فتح غطاء المحرك، لم يجد البطارية، سبحان الله “شكلا عليك صبح”، قالها باللهجة العامية، ثم وقف على الطريق العام وركب سيارة أجرة: “معليش يا صاحبي اسرع شويه، وقت على العمل”..
بعد مرور دقائق معدودة توقفت السيارة في منتصف الطريق، زحمة وجمهرة من الناس أمام مصرف الجمهورية.. أحد الزبائن يصيح “حرام عليكم العجائز تحت الشمس .. في سيولة اليوم؟ نرجوا وإلا نروحوا لحيشاننا.. حنطرتونا
قطب حاجبيه، وأخذ يتنحنح، ثم أمر سائق الأجرة أن يسلك طريقا آخرا..
لقد كان يفكر طول الطريق في المأساة التي وصلت إليها البلاد، وحدث نفسه : لا شيء يشجع على البقاء، لقد حُسبت الحياة على هذا الشعب وكفى، أصبحنا مثل أي شعب مسكين، لكن الفرق هناك شعوب تُقدر لها التعاسة، وهناك شعوب هي من تجلب لنفسها الشقاء !
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
أشعل سيجارة، أخذ نفسا عميقا، وحينما اعتدل مزاجه قال لسائق الأجرة: تصدق مساحة شاسعة، خيرات لا حد لها، سكان لا يتجاوز عددهم سكان شارع في ماليزيا، ومع ذلك، نتحارب بجميع الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، دمرنا البنى التحتية، هجرنا العائلات،حرقنا المطارات، والعالم ينظر إلينا بازدراء، أما الغرباء والمنبوذون والتجار أصحاب البضائع التالفة هم وحدهم المستفيدون من خيراتنا.. ثم تذكر أبياتا لأحد الشعراء الشرفاء:
ماذا أخبر عنك ..
هل تُجدى وسيلة .. يا جنة الغرباء ..
يا مثوى طفولتنا الجميلة .. ماذا وخيرك يا بخيلة
بدّدتِه للريح ..خيرك يا بخيلة
هز رأسه، وأخذ يردد : أيه والله .. خيرك تبدد في الريح
عند الظهر، عاد إلى البيت، وما إن فتح الباب حتى شعر بهدوء عميق مخيم على المكان! يا أولاد أنا جيت! يبدو أنهم خرجوا لأمر ما!
أسرع نحو المطبخ، لمح ورقة صفراء معلقة على باب الثلاجة: ” أنا والعيال عند أهلي، آسفة جدا لم أطبخ لك شيئا، لا يوجد غاز ولا كهرباء بالشقة، معليش .. ياريت تصرف في أي شيء. أو نقولك حاجة عدي تغدى عند أمك “.
ضحك والحسرة تخنقه، ثم طفق يردد : ” ايه والله! شكلا عليك صبح
*مدير تحرير مجلة رؤى