محطات متوقفة وخطوط متهالكة والكهرباء تتعهد بحلول قريبة لأزمة الجنوب
تقرير : بية خويطر
مع دخول فصل الصيف، تبدأ رحلة المعاناة اليومية لأهالي الجنوب الليبي، حيث تتفاقم أزمة الكهرباء عامًا بعد عام، بلا بوادر حلّ أو تدخل فعّال.
ينقطع التيار لساعات طويلة، وقد يمتد الغياب لأيام، وإن عاد، فهو ضعيف لا يكفي لتشغيل أجهزة التبريد أو حتى إنارة المنازل بشكل طبيعي، في وقت تتجاوز فيه درجات الحرارة حاجز الأربعين مئوية.
في ظل بنية تحتية مهترئة وخدمات شبه غائبة، يعيش المواطن الجنوبي صيفًا قاسيًا تحاصره الحرارة من جهة، والعجز الخدمي من جهة أخرى. وبينما يلوذ البعض بالهجرة المؤقتة بحثًا عن ظروف أفضل، يضطر الغالبية لمواجهة الواقع، مكتفين بانتظار الفرج.
صرحت نعيمة الشريف ،أن معاناة زوجها بدأت منذ أكثر من ثماني سنوات، حين أصيب بجلطة دماغية بسبب ارتفاع ضغط الدم في ظل درجات الحرارة المرتفعة وانقطاع متواصل للكهرباء.
وأضافت أن حالته الصحية أصبحت أكثر هشاشة، مما اضطرهم للتنقل صيفًا إلى مدن الشمال. وتابعت ، هذا العام لم نتمكن من السفر بسبب التكاليف، ولازلنا نعاني الأعطال وغياب الكهرباء وإن وجد، تكون تياراته ضعيفة لدرجة أنه بالكاد أن يشغل أجهزة التكييف والتبريد .

أضافت أم محمد، من سكان حي الناصرية بسبها، أن منطقتها تُعاني من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، مشيرة إلى أنها تستمر أحيانًا لأكثر من يومين متواصلين، دون أي توضيح أو وضع حلول جذرية.
وأشارت إلى أن الأعطال تتكرر بصورة دائمة ، ومع ذلك لا تلقى البلاغات التي يقدّمها الأهالي استجابة فورية من فرق الصيانة.
ذكرت هالة القايدي ، القاطنة في حي المهدية، أن تذبذب التيار الكهربائي وعدم استقراره تسببا في أعطال متكررة للأجهزة المنزلية، مشيرة إلى أن ثلاجتين في منزلها خرجتا عن الخدمة في أقل من أسبوع.
ونوّهت إلى أنها لا تملك القدرة على تحمّل تكاليف التصليح أو الاستبدال، ووصفت ما يحدث بأنه “إهمال يتسبب في خسائر يومية للمواطن البسيط”.
أما عبدالحكيم الورفلي فقد لفت إلى أن بعض الورش الصناعية داخل الأحياء، مثل ورش اللحام والحدادة، تستهلك كميات كبيرة من التيار، ما يُرهق الشبكة الضعيفة أساسًا.
ودعا الجهات المسؤولة إلى ضرورة إصدار قرارات تمنع تشغيل هذه الورش خلال فترات الذروة، مؤكدًا أن “الاستهلاك غير المنظم أحد أسباب غياب العدالة في توزيع الكهرباء”.
وأوضح عبدالسلام اسويسي ، من أحد الأحياء السكنية الجديدة، أنهم يعانون تهميشًا واضحًا من الشركة العامة للكهرباء، حيث لا تشملها أعمال الصيانة أو الدعم الفني ، حيث تنقطع الكهرباء لساعات طويلة ، وحتى إن عادت تكون الشبكة ضعيفة وعرضة للأعطال مجددًا.

وصفت فاطمة محمد وادي عتبة ، ليالي الصيف داخل منزلها بأنها “قاسية وخانقة”، مشيرة إلى أن أطفالها يضطرون للنوم على الأرض، فيما تلجأ لرشّ الماء على أجسادهم لخفض حرارتهم في ظل غياب وسائل التبريد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة.
وأكدت أن غياب الكهرباء لا يعني فقط العيش في الظلام، بل يُشكل خطرًا يوميًا على صحة الأطفال وسلامتهم، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل متواصل.
وأضافت أن المعاناة في أقصى الجنوب تتجاوز الكهرباء، لتشمل نقصًا حادًا في الغاز والوقود، في ظل طرق متهالكة تعزل المنطقة عن باقي البلاد. وعبّرت بمرارة قائلة: “نشعر وكأننا عبء على الدولة، أو أننا خارج المخطط تمامًا، حتى الهروب من الجحيم الصيفي قد ينتهي بالموت على طرق مكسّرة لا تصلح حتى لعبور مركبة إسعاف”.
فيما عبّر عمران النعاس عن استيائه البالغ من غياب أي استجابة ملموسة لمعاناة أهالي الجنوب، مشيرًا إلى أن المواطنين باتوا يشعرون وكأنهم مجرد أرقام تُدرج في تقارير الطوارئ ثم تُهمل دون متابعة أو تنفيذ.

وأوضح أن الحياة اليومية أصبحت مرهقة بفعل الضغط المستمر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة وضعف التيار الكهربائي، لافتًا إلى أن الردود الرسمية لا تتعدى التبريرات، في حين أن الواقع الميداني يزداد تدهورًا مع مرور الوقت.
وناشد النعاس الشركة العامة للكهرباء بضرورة إطلاق حملات عاجلة لصيانة وتجديد الخطوط الكهربائية، مؤكدًا أن الحلول المؤقتة لم تعد كافية، و أن تأجيل المعالجات يزيد من تفاقم الأزمة عامًا بعد آخر.
أكّد المواطن محمد الساعدي أن ضعف التيار الكهربائي تحوّل إلى أزمة حقيقية تؤرق السكان خلال فصل الصيف، موضحًا أن العديد من الخطوط باتت غير قادرة على تشغيل المكيفات العادية، نتيجة تدهور الشبكة وغياب أعمال الصيانة الجادة.

وأشار إلى أن شريحة واسعة من المواطنين اضطرت إلى اللجوء إلى مكيفات تتطلب رافعات جهد، لضمان تشغيلها تحت ضغط الشبكة الضعيف، إلا أن أسعار هذه الأجهزة تبقى باهظة وليست في متناول الجميع.
وتابع قائلاً ، نحن لا نطلب ترفًا أو رفاهية، بل نبحث عن الحد الأدنى من التبريد الذي يضمن لنا البقاء في مواجهة درجات حرارة خانقة.
وأضاف ، من المؤسف أن البقاء اليوم أصبح مكلفًا، ولا قدرة لكل الأسر على تحمل هذا العبء.
أعربت أم حسن عن استيائها من ضعف التيار الكهربائي في منطقتها، موضحة أن أجهزة التبريد العادية لم تعد قادرة على العمل في ظل الجهد المنخفض، ما يجعلها عديمة الجدوى في مواجهة حرارة الصيف المرتفعة.
معتبرة أن المواطن البسيط هو من يدفع ثمن تدهور الخدمة وسوء التخطيط.
تحدثت تسنيم الترهوني، البالغة من العمر 15 عامًا، عن معاناتها مع ارتفاع ضغط الدم المتكرر بسبب درجات الحرارة المرتفعة في الجنوب الليبي.
وقالت إنها في إحدى المرات عادت من المدرسة لتجد التيار الكهربائي منقطعًا، وعندما همّت لشرب الماء، وجدت نفسها غير قادرة على تبريده في ظل الانقطاعات الطويلة للكهرباء.
وأضافت: “شعرت بآلام غريبة وسقطت على الأرض، وتم إسعافي سريعًا، ليتبين لاحقًا أنني تعرضت لجلطة دماغية”.
وأوضحت تسنيم أن ضغط الدم المزمن الذي تعاني منه منذ ذلك الحين أجبر عائلتها على مغادرة الجنوب مؤقتًا، والانتقال إلى مدينة أخرى للاستقرار، حتى تحسّن الوضع.

ومن جهته ، أشاد محمد يونس بدور فرق الكهرباء والمهندسين العاملين في الميدان، مؤكدًا أنهم يبذلون جهودًا كبيرة في إصلاح الأعطال رغم الظروف القاسية.
وأوضح أن هؤلاء الفنيين يواصلون العمل تحت درجات الحرارة المرتفعة، ويتحملون مشاقًا كبيرة، بل ويخاطرون بأنفسهم أثناء تنفيذ المهام في مواقع ميدانية صعبة، دون تأمين صحي أو حتى إجراءات احترازية تضمن لهم السلامة ورغم كل ذلك، لم يتأخروا عن أداء واجبهم.
مؤكدا أن هؤلاء الجنود المجهولين يستحقون حماية حقيقية لا مجرد كلمات شكر”.
و أكد مدير الإدارة العامة للخدمات بالشركة العامة للكهرباء المهندس محمد الأسود ، أن شبكة الجنوب ما تزال متهالكة في المجمل، إلا أن الوضع تحسن تدريجيًا منذ عام 2022، مقارنة بالسنوات السابقة التي شهدت انقطاعات مستمرة وطويلة.
وأوضح أن الشركة وضعت خطة استراتيجية لرفع مستوى التوليد وتحسين الأداء العام للشبكة، ما ساهم في تقليص فترات الانقطاع في عدد من المناطق، فيما تظل التحديات متركزة في مواقع محددة تُعاني من أعطال داخلية أو ضعف في خطوط التغذية.

وأشار إلى أن الانقطاعات تنقسم إلى نوعين رئيسيين الأول ناتج عن أعطال داخلية تحدث بشكل يومي داخل الشبكة، وتختلف مدة معالجتها تبعًا لنوع العطل، حيث تبذل الفرق الميدانية من مهندسين وفنيين جهودًا مضنية لإصلاحها رغم الظروف الجوية الصعبة ، أما النوع الثاني فهو انقطاع ناتج عن تطبيق نظام طرح الأحمال الداخلي بسبب ضعف الخطوط ، حيث يتم فصل التيار الكهربائي بشكل دوري عن الأحياء لفترات تتراوح بين ساعة وساعتين ونصف إلى ثلاث ساعات، وذلك وفق جدول يومي يراعي ضغط الشبكة وقدرتها.
وفيما يتعلق بالمحطات، أوضح أن محطة سبها الشمالية خرجت عن الخدمة نهائيًا منذ عام 2016 بعد أن تعرّضت للسرقة، حيث كانت تعمل بمحوّلين رئيسيين تم تفكيكهما وسحب النحاس منهما وبيعه بأثمان بخسة لا تتجاوز 200 ألف دينار، رغم أن قيمة المحوّل الواحد تُقدَّر بملايين.
ووصف هذا الفعل بأنه تعدٍّ خطير طال “القلب النابض” للمحطة، ما تسبب في عجز كبير لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
وأضاف أن هناك أربع محطات رئيسية في الجنوب (سبها الغربية، الكيلومتر 18، سمنو، ومحطة إضافية 220/66 ك.ف)، تضم كل منها ما بين محوّلين إلى ثلاثة. تُحوّل الطاقة من 220 ك.ف إلى 66 ك.ف، ثم تُوزع على الخطوط 11 ك.ف، لكن بعض هذه المحطات يعاني من أعطال جسيمة.

ولفت إلى أن محطة سمنو ما زالت تخضع لأعمال صيانة بسبب عطل بأحد محولاتها، بالتزامن مع استمرار أعمال إصلاح للأبراج المنهارة التي تسببت في فقدان الطاقة المنقولة وضعف الجهد الكهربائي في أكثر من موقع.
وبيّن أن الشركة اضطرت إلى جدولة طرح الأحمال بناءً على درجة الحرارة ونسبة العجز في الشبكة، مؤكدًا أن استكمال صيانة المحطة والأبراج خلال الفترة المقبلة سيساهم في رفع الضغط عن بقية المحوّلات وإنهاء الحاجة لجدولة الانقطاع.
كما أشار إلى أن أحد التحديات الكبرى تكمن في غياب مقاولين محليين ملتزمين، إذ يتأخر تنفيذ العقود بسبب المطالبة بمستحقات مالية قبل تقديم الخدمة، وهو ما يعطّل المشاريع الخدمية في أغلب القطاعات، وعلى رأسها الكهرباء.
وفي رده على سبب اضطرار أغلب سكان الجنوب لاستخدام مكيفات تعمل برافعات جهد، أوضح أن ذلك يرجع إلى بُعد مسافة نقل الكهرباء التي تصل من محطة الخمس على بُعد أكثر من 800 كيلومتر، ما يؤدي إلى فقد كبير في الطاقة ويؤثر على استقرار الجهد.
وبيّن أن تشغيل محطة أوباري الغازية ساهم إلى حد ما في تحسين الوضع، لكن لا تزال الشبكة بحاجة إلى تقوية، خصوصًا في ظل تعرّض خط النقل 400 ك.ف للتدمير من قبل بعض المواطنين، رغم أن تكلفة خسائره بلغت مليارات الدنانير.

وأكد أن مشاريع الكهرباء تُثقل كاهل الخزينة العامة، خاصة مع اعتمادها الكامل على العملة الصعبة، غير أن هناك مخططات واستراتيجيات وضعت لتحسين الخدمة تدريجيًا وفق الأولويات الفنية والمالية.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن الجنوب يُمثّل أولوية قصوى لدى إدارة الخدمات، وأن الشركة تعمل بكل طاقتها لمعالجة الأعطال وتحسين الجهد الكهربائي وتوفير تغذية مستقرة لكل المواطنين، داعيًا في الوقت ذاته إلى تعاون الأهالي في حماية المحطات والمحوّلات من التعديات، حفاظًا على ما تبقى من البنية التحتية، وتسريعًا لحلول دائمة تنهي هذه المعاناة المتكررة.














