عيسي رمضان
المسألة الأولى: طَلاقُ السَّكرانِ المَعذورِ بسُكْرِه لا يقَعُ طَلاقُ السَّكرانِ المعذورِ بسُكْرِه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّة، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ ؛ وذلك قياسًا على طَلاقِ المجنونِ…
المسألة الثَّانية: طَلاقُ مَن أدخَلَ على نَفسِه السُّكْرَ باختيارِه
اختلف العُلَماءُ في حُكمِ طَلاقِ مَن أدخَلَ على نَفسِه السُّكْرَ باختيارِه، على قَولَينِ:
القول الأول: يقَعُ طَلاقُ مَن أدخَلَ على نَفْسِه السُّكْرَ باختيارِه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وهو قَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّةُ
: أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى:( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَههُ )البقرة: 230
وَجهُ الدَّلالةِ
: أنَّ هذا عامٌّ في السَّكرانِ وغَيرِه
ثانيًا: أنَّ العَقلَ زال بسَببِ مَعصيةٍ؛ فوقعَ الطَّلاقُ عُقوبةً له القول الثاني: لا يقَعُ طَلاقُ مَن أدخَلَ على نَفسِه السُّكْرَ باختيارِه، وهو قَولٌ عند الحَنَفيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، وروايةٌ عن أحمد وهو مذهَبُ الظَّاهريَّةِ، وقَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ، وبه قال ابنُ تيميَّةَ، وابنُ القيِّمِ، وابنُ باز، وابنُ عثيمين
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتتَّى
تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) النساء: 43
وَجهُ الدَّلالةِ
: أنَّه لم يرتِّبْ على كَلامِ السَّكرانِ حُكمًا، حتى يكونَ عالِمًا بما يقولُ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
في حديثِ ماعزٍ لَمَّا أقَرَّ على نَفسِه بالزِّنا: ((… فسألَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبِهِ جُنونٌ؟! فأُخبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ، فقال: أشرِبَ خَمرًا؟ فقام رجلٌ فاستَنْكَهَه، فلم يجِدْ منه ريحَ
خَمرٍ، قال: فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزَنَيتَ؟ فقال: نعم، فأمَرَ به فرُجِمَ))
… وَجهُ_الدَّلالةِ
اولا:- قَولُه: ((أشرِبَ خَمرًا؟)) يدُلُّ على أنَّه إن تبيَّنَ أنَّ ماعِزًا كان سَكرانَ، لم يصِحَّ إقرارُه، وإذا لم يَصِحَّ إقرارُه عُلِمَ أنَّ أقوالَه باطلةٌ كأقوالِ المجنونِ
ثانياً: مِنَ الآثارِ قال عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه: (ليس لمجنونٍ ولا لِسَكرانَ طَلاقٌ
) ثالثا:- أنَّ زَوالَ العَقلِ بالمُسكِرِ يُشبِهُ زَوالَ العَقلِ باستِعمالِ البَنججِ وشُربِ الدواءِ، وفيهما لا يَقَعُ الطَّلاقُ بالاتِّفاقِ
رابعا:- لأنَّه فاقِدٌ للعَقلِ، فهو كالمجنونِ
خامسا: أنَّه إذا أثِمَ عوقِبَ على إثمِه، لكِنْ إذا تكَلَّم بدونِ عَقلٍ، فإنَّه لا يقَعُ طَلاقُه، وكونُه آثمًا له عقوبةٌ خاصَّةٌ، وهي التَّعزيرُ بالجَلدِ، أمَّا التعزيرُ باعتبارِ كلامِه مع عدَمِ عَقلِه، فهذا زيادةٌ، ولا يجوزُ أن نزيدَ على العقوبةِ التي جاءت بها السُّنَّةُ