عبدالرزاق الداهش
ثروة ليبيا ليست في جنوب أفريقيا، ولا في جنوب شرق آسيا، ولا أرقاما وهمية من إنتاج المخيلة السياسية. ثروة ليبيا في جنوب ليبيا، فالنفط في الجنوب، والغاز في الجنوب، وأكثر من نصف الليبيين يشربون ويتوضؤون، بمياه تجيء من الجنوب. ولكن حتى لو افترضنا أن الجنوب بدون نفط، وبدون غاز، وبدون حتى مياه، هل يمكن أن نترك جزءا من لحم ليبيا خارج الجهاز العصبي الليبي، والدورة الدموية الليبية؟ فرنسا موجودة في جنوب ليبيا، بفرنسيين أو غير فرنسيين، وإيطاليا كذلك موجودة، وإسبانيا موجودة ، وأمريكا، وحتى الصين، مازالت فقط ليبيا غير موجودة في جنوب ليبيا. ونحن في الحقيقة لم نترك الجنوب، نحن تركنا رقبتنا لغير أيدينا، وإذا انكسر الجنوب انكسر ظهر ليبيا.
لنتعارك على بوابة في محيط طرابلس من يضع فيها سيارتين وعشرة من الشباب المسلحين، ولنتعارك على من يتولى حراسة مبنى مصرف ليبيا، أو ميناء طرابلس، فماذا بعد؟ إلى أين سنصل بذلك؟ الاعتمادات التي نتصارع عليها مصدرها الجنوب، والسيارات المصفحة التي نركبها مصدرها الجنوب، حتى الثلاثمائة دينار التي ننام من أجلها أمام المصارف من الجنوب ، نحن لا نأكل من وراء البحر، نحن لقمة عيشنا من وسط ووراء الصحراء. لنأخذ وقتا مستقطعا من أجل وطن يتقطع، ولنترك سبتمبر جانبا، ونترك فبراير جانبا، ونترك الفجر، والكرامة، والوفاق، والمؤقتة، ونعود جميعا لجنوبنا لنستعيده اليوم، قبل أن يأتي يوم لا نجد حتى ما نتعارك عليه، وننتف ريش بعضنا من أجله.
مشكلة الجنوب ليست سيارة بنزين كانت تصل إلى الويغ، ولم تعد تصل لتمنهنت، أو الشويرف. ومشكلة الجنوب ليست مراكز شرطة مقفلة، ومواقع لعصابات الجريمة المنظمة المفتوحة. مشكلة الجنوب هي مشكلة سياسية، وتنموية، واجتماعية، وتحتاج معالجة شاملة، بعقل، وشجاعة، وبوصلة وطنية. عندما وضعت القبيلة نفسها محل الدولة تفاقمت المشكلة، وعندما تضع الإثنية نفسها محل الوطن تتفاقم أكثر، مشكلة الجنوب تحتاج إلى روشيتة دولة، من أجل إنقاذ وطن.
كلنا معنيون بجنوبنا، الذي يدخن الأرجيلة على شواطئ طرابلس معني، والذي يمارس هواية اصطياد الطيور في طبرق معني، وحتى الذي يهرب قوت الليبيين في بوكماش معني. هناك أشخاص بعضهم في السجون، وبعضهم في الشتات كانوا يحملون ملفات الجنوب لابد من الاستعانة بهم، والوقت الآن لإسعاف الجريح. وليس للبحث عن شهادة الخلو من السوابق للمسعف، والذي ليس أقل وطنية منّا. كرة الثلج تكبر، والورم يتضخم، وما نبتعد عنه اليوم قد لا نستطيع الاقتراب منه في اليوم التالي. مشكلة الجنوب بين خيارين، فإما ننهيها، وإما تنهينا.