بقلم :: نور الدين سعيد الورفلي
على الضفة الأخرى، لم يترك نزار قباني مجالاً للغوص في انكساراته، كان دفاعه مستميتاً، بالكلمات التي تخترق المسامات الدقيقة لهياكل اللطائف المرئية واللامرئية، كان يعي أن صلف المال لعنة على مريديه، وأنه وإن تكاثر لا يجلب سوى بلادة الحس وتدني الذوق، وتخلف الفكر، كان يرى كبرياءه عبر كلماته في شعر بلغ من الحساسية سرعة تفوق الضوء لأي نيزك على بعد آلاف السنوات، كان يعي أن الكلام عملة نقدية من معدن آخر، ليس بمعدن ذهب وليس بذهب، ألماس وليس بألماس، الشعر نافورة ماء منذ الأزل إلى الأزل، الواقع أن نزار قباني غير قياسي، حتى في المنهجية الشعرية التي نريد أن نضع بصددها نصوصنا النقدية، نزار لا تحكمه المدارس، نزار له أسلوبه ونمطه البديع، حين تحول الشعر إلى الحداثة وما بعدها، لم ينتقده من مناهج شعراءه الكبار، لكنه قال أنه ثمة شعراء في هذا الزمن هم ليسوا أكثر من جنس ثالث، قولهم فوضى وكلامهم ضباب، لذا كان مضطراً إلى تحويل أسلوبه في هذا الديوان الموسوم بـ (لاغالب إلا الحب)، فكتب قصيدته الحداثوية هذه، وأسماها “من بدوي مع أطيب التمنيات” ن.م.س.
1
آسف جداً
إذا عكّرتُ سَهْرَتَكِ الجميلةَ،
آسفٌ جدّاً..
إذا أظهرتُ كلَّ توحُشّي.. وخُشُونتي
هذا المساءْ..
أنا آسفٌ جدّاً
إذا ما كنتُ مُنْطوياً على نَفْسي
ومُكْتَئباً.. ومُنْسَحِقاً..
ومكسورَ المَشَاعرِ، كالإناءْ..
أنا آسفٌ جداً..
إذا خالفت آداب السلوك
فما اهتمَمْتُ بربْطةِ العُنُقِ الوَقُورَةِ..
والحِذاءْ..
مَنْ قالَ إنَّ قصائدَ الشعراءِ،
تنتعلُ الحذاءْ؟
فأنا أتيتُ من العَرَاءِ.. إلى العَرَاءْ
لا تخجلي منِّي..
ومن عشقي البدائيِّ البسيطِ،
فإنَّ أكابرَ العُشَّاقِ
كانوا خارجينَ على الحَيَاءْ..
2
أنا آسفٌ جداً..
إذا لم أنتبه لجمالك الأخاذ
هذي غَلْطَةٌ كبرى بتاريخي،
ونقص في الحضارة والسلوك
ومن علامات الغَبَاءْ..
هل ممكنٌ أن يُهْمِلَ الإنسانُ وَجْهَاً
تلتقي فيه السماءُ مع السماءْ؟
أنا آسفٌ جداً.. لفَرْط جهالتي
أنا شاعرُ الحُبِّ الذي لا يُتقِنُ الإعلانَ عن نَزَوَاتِهِ أبداً،
فإنَّ عواطفي، ليست ثياباً في الهواءْ
أنا باطنيٌّ – ربَما- حتى العَيَاءْ.
ومضرَّجٌ بغُمُوضهِ حتى العَيَاءْ.
قد لا أكونُ مهذَّباً، مثل الذينَ عرفْتِهِمْ
ومُعَلَّباً مثلَ الذينَ عرفتِهِمْ
ومُشمَّعاً.. ومُلمَعاً..
مثلَ الذينَ عرفتِهِمْ.
لكنَّني أُعطي دمي،
من أجل لحظة كبرياءْ..
3
أنا آسفٌ جداً..
إذا أفْسَدْتُ ليلتكِ المُثيرةَ،
آسفٌ.. إن كنتُ لوَّثْتُ الهواءْ
فأنا
أَنَانيٌّ..عصابيُُ شِتَائيٌّ
فماذا تفعلين مع الشتاء؟..
أنتِ الجميلةُ.. والصغيرةُ..
والمليئةُ بالطموح وبالرَجَاءْ..
فتحمّلي فوضايَ..
إنّي لم أكنْ عُضْواً قديماً
في نوادي الحاكمينَ..
ولا نوادي الأغنياءْ..
4
لا تنظُري لي هكذا..
وكأنني من كوكب المرِّيخ.. جئتُ
وعَصْرِ رُوَّاد الفَضَاءْ..
أنا ضائعٌ بين العصور كَمرْكَبٍ
في البحر، تقذفه الرياحُ كما تشاءْ
أنا آخرُ الكلماتِ، في زَمَن التعهُّر والترمل والغَبَاءْ
والحب آخر كلقة في الرأس أطلقها
فلا تمشي على بِقَعِ الدماءْ..
5
عَفْواً..
إذا لَخْبَطْتُ عُطْلَة آخر الأسبوعِ
إن طبيعتي تأبى التصنُّعَ.. والرياءْ
أنا لستُ أعرفُ ما أحبُّ..
ومَنْ أُحِبُّ..
فسامحيني إن حملتُ حقيبتي
وتركتُ معركةَ الخواتمِ.. والأساورِ.. والفِراءْ..
أنا هكذا أنا هكذا،
أمشي على قَدَمينِ من نارٍ.. وماءْ
تتقاطع الأفكار في رأسي،
ويختلطُ الدُخَانُ، مع النَبيذِ، مع النُحَاس، مع العَقيقِ
مع الأمامِ، مع الوراءْ..
هل كانتِ العينانِ قبل الدَمْعِ،
أم في الأصلِ، قد كانَ البُكَاءْ؟
………
…..
وهل يا تُرى الأشجار تمشي وهي واقفةٌ
وهل حرّيةُ الإنسان كانت.. قبل أن كان الفضاءْ؟
والحبُّ. هل هو حالةٌ عقليَّةٌ؟
أم حالةٌ جسديَّةٌ؟
أم أنَّهُ شيءٌ يُرَكَّبُ كالدَواءْ.
6
هل كنتِ قبل قصائدي موجودة
أم أنني بالشِعْرِ، أوجدتُ النساءْ؟؟