كتب :: محمود السالمي
لازلنا نتتبع المعانى والمفردات التى جاءت بها الأغنية الشعبية ، ولعلك تذكر معى عزيزي القارئ كيف أننا تطرقنا إلى موضوع العيون ووصفها في الأغنية الشعبية وكيف تأكد لنا بما لا يدع مجالا ً للشك أن البيئة في الواحة قد تصنع الأغنية وتساهم في رسم معانيها وإيضاح الخط العام لها ، وليس غريباً إذا قلنا إن بعض الباحثين في مجال التراث يجزمون بإمكانية تحديد المكان الذي قيلت فيه هذه الأغنية أو تلك من خلال دراسة مفرداتها ومعانيها ، وسأدلل على صحة هذه النظرية بالأغنية التالية التي يقول مطلعها : عينك كما عين جدي الغزالي ونيس الرمالي ومطمان ما حيره زول والي إذ يخاطب قائل هذه الأغنية محبوبته حينما يشبه عينيها بعيون ( جدي الغزال ) والغزال معروف بجماله ورشاقته ومنه أنواع لها عيون كأن الله كحلها ، وشاعر الأغنية يظيف أن الغزال الذي يشبهها به هو ( ونيس الرمالي ) فهو يعيش مستأنساً بالرمال بعيدا عن العمران ، وهو ( مطمان ما حيره زول والي ) أي هو مطمئن لمعيشته هذه ولا يكدره أو يحير من أي شيء . ثم يضيف : عينك كما عين ريم الجليبة مغنج رغيبه ولي عقل من داك كاثر نحيبه وكيف من شقي بالغلا اوما شقوبه سمر بالليالي كذاب ما ذاق نار الغوالي هنا يصف قائل الأغنية ، عين حبيبته بأنها عين ( ريم الجليبه ) والريم هو صغير الغزال وفيه ميزة الرشاقة والخفة وهي ميزة مشتركة مع حبيبة الشاعر ، أما كلمة ( الجليبة ) فتعني في المفهوم الشعبي المجموعة وتحديداً فوق العشرة وهي كلمة لا تستعمل إلا في حالة الحديث عن الغزال فيقال ( جليبة غزال ) ، ثم يضيف إلى الصفات السابقة صفة الغنج والدلال ، التي تظهر في عيون الحيبية ( مَغًنْْجْ رغيبة ) .. والرغيبة هي العيون فهي مرغوبة وهي أيضا مناط الرغبة .. ( ولي عقل من داك كاثر نحيبة ) ، لشاعر الأغنية هنا أحاسيس كثيرة حيث يلازمه شعور بالمرض والداء .. وهو حينما يحدد كلمة العقل هنا فهو يقصد الخاطر أو النفس ( ولي عقل من داك ) و ( كاثر نحيبه ) تعني كثرة ودوام النحيب والبكاء بسبب هذا الحب وهو يشبه نفسه ب ( كيف من شقي بالغلا وما شقوا به ) أي كمن أشقاه الحب والشوق ولم يهتم به أحد من الناس وبالتالي ( سمر بالليالي ) وهي النتيجة ثم هو ( كذاب ما ضاق نار الغوالي ) أي أنه لم يعش نصب الحب وتعبه . عينك كما عين ريم الحطية وتاقت عليا وخدك شقع بارقة ياسزية وزولك كما بي فوق الرعية والصيت عالي والعز عاطيك مولى الموالي يواصل شاعر الأغنية وصف عيون المحبوبة ، ويشبهها بعين ( ريم الحطية ) والحطية معروفة في الواحات وهي عادة حطية نخيل .. أي تجمع للنخيل وسط الصحراء وعادة ما يكون في الحطية مصدر للمياه ترد عليه القوافل ، وتقوم فيه زراعات مختلفة .. وهناك نوع من الغزلان صغيرة الحجم جميلة العيون ورشيقة الحركة سريعة العدو .. تشرد من الإنسان لمجرد شم رائحته في المكان وصغيرها يسمى ( ريم الحطية ) ..يشبه الشاعر عيون حبيبته بهذا الريم ( وتاقت عليا ) أي أن هذه العيون أطلت عليه ( وخدك شقع بارقة يا سزية ) أي أن خد هذه المحبوبة كأنه سحابة ذات برق يلمع من هنا جاءت كلمة ( شقع ) أي لمع .. وكلمة ( سزية ) هي لفظة عامية تطلق على الفتاة الحلوة غير المتزوجة ويزيدها وصفاً حينما يقول ( وزولك كما بي فوق الرعية ) أي أن شخصيتها تشبه شخصية ( البي ) وهو لقب تركي أو عثماني يطلق على السلطان أو حاكم المنطقة وهو ذو مكانة عالية على الرعية .. ( والصيت عالي والعز عاطيك ربي العالي ) . عينك كما عين طرشول دامي سبايب غرامي وخدك شقع بارقة في ظلامي على كيف بنقول لايق كلامي أوهوه ياظلالي ياغيتي أو يا تزهزيه بالي هنا يقول : عيون الحبيبة هي ( طرشول دامي ) وستلاحظ هنا تأثير البيئة خاصة البيئة البدوية فالطرشول هو نوع من أنواع الصقور تمتاز بصغر الحجم وسرعة الطيران ، والدقة الفائقة في الصيد ، وهذا النوع من الصقور قابل للتدريب لممارسة الصيد لذلك فإن هذه الطيور غالية الثمن وتصاد صغيرة ثم تدرب وتباع لذلك يقول ( طرشول دامي ) أي أنه مدرب على الصيد لذلك فهو مخضب بالدم .. وهذه العيون هي ( سبايب غرامي ) و ( خدك شقع بارقة في ظلامي ) وهو يكرر وصف خد المحبوبة ، بأنه يبرق كالبرق في الظلام ، ولذلك ( كيف بنقول لايق كلامي ) .. فكل ما يقال من حديث الوصف يكون لائقا .. لذلك فإنه يتوقع لنفسه الظلال ثم ( ياغيتي وياتزهزيه بالي ) أي ياغرامي ويافرحتي بهذا الغرام . عينك كما عين طرشول حر وصيتك ظهر وخدك شقع كيف ضي القمر والله لولا الحشم والجعر أنجي الليل تالي وانخبروا ياسزي بما طرالي يهتم أغلب سكان الواحة حين يريدون الخطبة والزواج بسمعة أهالي الخطيبة فيختارون ذوات الحسب والنسب لذلك حين يصف عيونها بعين الصقر الحر يعود دون إرادة إلى مسألة ظهور الصيت للفتاة التي يحب .. ويتدارك بعد ذلك استكمالاً للمعنى ويركز على الخد الذي يشبهه بضوء القمر .. ولأن التربية في الواحة هي تربية محافظة يقول ( والله لولا الحشم والجعر ) أي لولا الحياء الذي يمنعه ( انجوا الليل تالي وانخبروا ياسزي بما جرالي ) أي لولا الحياء نلقتي آخر الليل على ضوء القمر نتبادل السمر وشكوى الحب . والقصيدة الغنائية هذه طويلة جداً قد لاتسعها حلقة واحدة وفيها من المعاني مالا عين رأت لذلك سنكتفي بما قدمنا آملين أن نكون قد وفقنا فيما سبق.