- المهدي يوسف كاجيجي
يقال ان الاسطورة ولدت من رحم التاريخ، وغات ولدت من رحم الاسطورة. ولمعلومية جيل الاحفاد غات مدينة ليبية، تقع على الجنوب الغربى من حدودنا مع الجزائر. تلاحم فريد من الجينات العربية والامازيغية والافريقية، تعايشت معا ودافعت عبر قرون طويلة، عن هويتها الليبية، رغم ظلم الإهمال والتهميش الواقع عليها. عرفت من غات بشرها قبل حجرها، التقيت بهم فى الخمسينات من القرن الماضى، فى مدرسة سبها المركزية، ضمنا المكان، طلبة علم قادمين من كل انحاء ولاية فزان، فى المملكة الليبيًة المتحدة ،استمعت لحكاياتهم عن المدينة، التى يحيط بها الغموض والسحر والاسطورة، عن جبل الجنون وسكانه، وجبال اكاكاوس وكهوفها، اللوحات المنقوشة على جدرانها، اقدم ما رسم الانسان، ليطلق عن المكان اعظم متحف لما قبل التاريخ،بعد ذلك سافرت اليها عبر صحراء جدباء قاسية، وسمعت فيها من الرواة الحكايات عن ملوك الجن ساكني الجبل، والاميرات الجنيات اللاتى يتشكلن على هيئة غزلان وظباء، وعيونهن التى تشع سحرا، وعن العفاريت التى تقابلك فى الليالى المقمرة فى هيئة بشر واقدام ماعز، وتعرفت على الشيخ باتورى منانا كامادا بملابسه الصحراوية ووجهه الملثم دائما، فنان برع فى الصناعات التقليدية، كاتب اغانى وملحن وعازف على “الغيطة” وهى واحدة من اقدم الالات الموسيقية القديمة عاش ومات رحمه الله كأسطورة، عندما كان يرافق فريقا اعلاميا ضل طريقه فى الصحراء وبعد ايام من البحث عثر عليهم جميعا موتي من العطش متناثرين فى الصحراء والغريب انه عندما عثر على جثمان الشيخ باتوري وجد على بعد امتار من بئر الماء.
أين تقع غات ؟؟؟
للزمن دورته، ادركتنا الشيخوخة، لم يتبقى لنا إلا مخزون الذكريات، نبحر اليه بحثا عن زماننا. لم تغب غات عن ذاكرتى ابدا، دائما حاضرة بحكاياتها الساحرة وحكمة اهلها، ولكن الطريق اليها سكنه الخوف، واصبح مرتعا لعصابات التهريب المسلحة.امس أفزعتني الصورة التى نشرت على صفحة الكاتبة الصحفية سليمة بن نزهة رئيس تحرير صحيفة ” فسانيا ” عن ألفيضانات التى أغرقت مدينة غات والتي أدت الي خسائر فى الأرواح والأملاك مرفقة بتعليق يقول:[غات لا بواكى لها، نظرة الطفلة التى أعتلت كتف والدها كفيلة بسرد كل الحكايا ..] ولأبنتنا العزيزة أقول : أى حكايا تعنين، فأهل الشمال الليبي مشغولون بتصفيات بعضهم البعض، أعمتهم عين الغنيمة، وفقدوا البصر والبصيرة، وأنا اجزم انهم لا يعرفون أصلا أين تقع غات ؟؟؟.