- عبدالرحمن جماعة
قاسي يا فزَّاع منامي..
أن يحرمك النوم فهذه قسوة، لكن أن يجعلك تقوم فزعاً من نومك فهذه تتضمن أمران، الأول: أنها منتهى القسوة، والثاني: أن الشخص يأتيك في النوم واليقظة، فينزرك من اليقظة لتفزع إلى النوم لعلك ترتاح، ثم يأتيك في النوم فينزرك منه لتقوم فزِعاً مرعوباً، فلا هو تركك في اليقظة ولا هو ترك لك النوم!.
يا دمَّار قصور احلامي..
القصة واضحة، هو لم يمنعك من البناء، بل مهد لك لتبني قصوراً من الأحلام، ثم جاء في لحظة وجعل عاليها سافلها.. وهذه أيضاً منتهى القسوة!.
يا مدَّاد جسور ظلامي..
بعدما رأيتُ النور فيك، وبعدما صرتُ أبصر بك، وبعدما أنرتَ لي كل السُبل، ها أنت وبضغطة زر واحدة تُطفئ كل الأنوار لتُصبح كل الطرق المُنارة معتمة، ولتصير كل السُبل المُضاءة مجرد جسور من الظلام وليست طرقاً، لأن الطُرق المظلمة تُعيق تقدمك، أما الجسور المُظلمة فتجعلك تهوي من أعلى!.
يا جبَّاد دفين آلامي..
حين التقيتك ظننتُ أني قد دفنت جميع آلامي، وجعلت عليها جندلاً وصفائح، كنت أظن أن آلامي قد ماتت برؤياك، وأن جميع همومي قد زالت بلقياك، وأنه لم يعد أمامي إلا أن أعبَّ الفرح، وأن أستنشق السعادة، وأن أُسلم نفسي للبهجة، وأن أتمطق لذة الحياة!
لكنك قد نبشت قبور أحزاني، وأحييت أوجاعي، وبعثت جميع آلامي من جديد حتى مثلت أمامي كاملة لم ينقص منها بنان!.
يا شرتاع لذيذ أيامي..
كنتَ أنت النكهة التي تُضفي على أيامي لذتها، وكنت المكون السحري الذي يعطي لأوقاتي متعتها، وحين غادرتَ أصبح كلُ شيءٍ بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وصارت أيامي سواء، لا يهمني ما فات منها، ولا أنتظر ما هو آتٍ!.
يا جمَّاع شتيت أوهامي..
الوهم يتشتت بظهور الحقيقة، فكنت أنت الحقيقة الوحيدة في حياتي، وحين غبت عادت كل الأوهام لتتجمع كما تتجمع السحب، الفرق بينها وبين السحاب أن السحاب قد يُرجى منه الغيث، أما سُحب أوهامي فخلَّب!.
يا بياع رخيص اسوامي..
أن يبيعك من تحب فتلك كارثة، وأن يبيعك بأرخص سعر فتلك ثالثة الأثافي، لأنه كان فيك من الزاهدين!.
يا جفَّال طيور حمامي..
حين لم تُمهد لرحيلك، وحين لم يكن فراقك مسبوقاً بلومٍ أو عتاب، وحينما انتفضتَ جافلاً مني، حينها… انتفض كل شيء، وجفل الجميع عني حتى الحمام الذي كان يأكل من يدي!.
يا برَّاك جمال اقسامي..
كنتُ أحلم بنصيبي ولو محمولاً على حمارٍ أعرج، وحين ظهرتَ في حياتي رأيتُ قوافل من الجمال تحمل لي ما لم أكن أحلم به من القسمة والنصيب.. لكنها الآن بركت في منتصف الطريق!.
يا جيَّاب المنجل حامي.. يا كوَّاي العقل الظامي..
أنت من أشعلت النار، وأنت من أحمى المنجل حتى احمرَّ، وبنفس اليد التي كانت تربت على كتفي وتمسح دموعي، وبنفس اليد التي كانت تُذهب أوجاعي وتُبرئ جروحي.. وبنفس اليد التي كانت تسندني… باشرت الكي!.
صوبك واصل مخ اعظامي.. جرحه ما يبرا سطار..
الألم في الجلد قد لا يُطاق، فكيف إذا تجاوزه إلى اللحم، وكيف إذا اخترق العظم ليصل إلى نخاعه؟!.
في تلك الحالة لا فائدة من العلاج، ولا أمل في الشفاء، ولا راحة في الحياة، وفي تلك الحالة يصبح الموت أعز أمنية، وأغلى مطلب، وأفضل دعاء!.
فهل بعد كل هذه القسوة من قسوة.. يا فزاع منامي؟!
*القصيدة للشاعر فاروق اقلاش.