- محمد المالكي
كيفية انتاج المعنى بين معيارية النقد الادبي ودينامية التحليل النصي
اصبح من المعيب ان نتحدث عن “النقد الادبي“، خاصة بعد مرور اكثر من قرن على الإنجازات الباهرة لحركة الشكلانيين الروس (حلقة موسكو والبوياز16 ـ 1933)، والأكثر فداحة ان يتم الفصل في اقسام اللغة العربية بالجامعات العربية الى: قسم “لغويات” وآخر “ادبيات”.
انتهى مصطلح “النقد الادبي”، منذ اكثر من قرن؛ مع حركة “الشكلانيين الروس”، لما يتضمنه من معيارية (القيمة) غير علمية، وتم انجاز ما يعرف بتحليل النصوص، اذ تحول البحث من “معيارية” (افعل تفضل) النقد الادبي: اديب الحارة المصرية، روائي الصحراء، افضل من جسد عالم البحر والبحارة، استطاعت كاتبة القصة تصوير حال المرأة العربية..الخ، الى البحث في كيفية آليات “الظاهرة الأدبية” (اوكيفية مقاربة الظاهرة)، باعتبار ان علم الأدب (اوالأدبية literature) هو الحقل العلمي لدراسة الظاهرة الأدبية: كيفية الوظائف والآليات التي تمنح النص “ادبيته”. حتى وصل الامر الى “المدرسة البنيوية الفرنسية”، مع كتاب بارت الدرجة الصفر للكتابة (1955)، وتم تأسيس ما يعرف بعلم النص (او اللسانيات النصية)، توجت تلك المدرسة باشغال اغلب روادها في عدد مجلة الاتصال (1966)، وفي نفس العدد كان تأسيس مدرسة باريس السيميائية (غريماص) ايضا، حتى انتهت اشغالها مع تأسيس الرابطة الدولية للسيميائيات (سيبوك، جاكبسون، ايكو واخرون 1970) واقتصرت اللسانيات على علوم اللغة واعتبرت احد فروع السيميائيات العامة.
تأخرت الدراسات في علوم اللغة، بالنسبة للجامعات العربية، بسبب عدم التأطير الابستمولوجي، ومن جهة أخرى ربما بسبب التكاسل في عدم متابعة مستجدات الدراسات الحديثة دوليا.
لعل في هذا احد اهم أسباب تأخر جامعاتنا في المؤشرات الدولية في تقييم الأداء الجامعات (شنغهاي، أكسفورد)، ليس في كليات الاداب واقسام اللغة العربية فقط، بل في كل التخصصات الآخرى أيضا.
اليكم بعض ما يتم ترويجه، بسبب الكسل والتكاسل وعدم المتابعة الجدية: سيميائية المتنبي، سيميائية الاهواء .. رواية (اختار ما شئت) انموذجا، جمالية الصورة قصيدة (؟؟) دراسة بنيوية..الخ، ولا تختلف عناوين واجهات الأغلبية الساحقة من المؤتمرات (الدولية) للجامعات العربية عن هذا أيضا.
ابستمولوجيا علوم السيميائيات واللسانيات الادبية
تأسيس “الرابطة الدولية للسيميائيات”(الاجتماع التأسيسي 1970)*، كما تنشر أوراق مؤتمراتها الدورية (كل عامين) في مجلة “سيموتيكا Semiotca ” (العدد الأول 1969)، حيث تم الاتفاق على توحيد مصطلح السيميائيات (بالرسم الاملائي واللفظي الانقليزي Semiotics). حيث كثر اللغط والالتباسات والاستخدامات العشوائية الفردية، لرواد المدرسة البنيوية الفرنسية: سيمولوجيا (بارت)، اللسانيات النصية (جينيت، تدوروف)، علم النص (كرستيفا)، علم الدلالة (غريماص، برموند)، حتى ان عنوان الورقة التأسيسية للسيميائيات السردية، التي كتبها غريماص كانت “علم الدلالة البنيوي”**، ولم يستخدام مصطلح “السيميائيات السردية” الا بعد ذلك بعدة سنوات.
بذلك التأسيس (1970)؛ انتهت اشغال (براديم) المدرسة البنيوية الفرنسية، اوسيمولوجيا اللسانيات النصية “الفرانكفونية”، كما انتهت”السيميائيات الانقلوساكسونية” (فلسفة اللغة سيميائيات بيرس وموريس، الفلسفة التحليلية للوضعية الجديدة: كرناب، مدرسة أكسفورد (افعال الكلام): اوستن، سيرل، غريس)، إضافة الى مدارس فلسفة التأويل والحجاج. كما نود التنبية والتحذير من تعبير “الانتهاء”، ليس بالمعنى الأيديولوجي العقائدي، بل بالمعنى العلمي للتطور، اوالقطيعة الابستمولوجية (للبراديم) لصالح انفتاح الآفاق المعرفية للسيميائيات على الحقول العلمية للعلوم التطبيقية (البيولوجية)، او بما عرف بالعقد الذهبي للسيميائيات (الثمانينيات). كما تم توحيد اللسانيات العامة كآحدى فروع السيميائيات العامة (بدون افعل تفضيل المعيارية البائسة).. كانت هذه مقدمة لما سنتحدث عنه بشأن واقع الدراسات النقدية في ليبيا والعربية عموما، وبعض الاحالات لبعض استخدامات المفاهيم والمصطلحات الحداثية بنفس الاستراتيجية القديمة للنقد الادبي المعياري. (يتبع)