أ. محمود البقلوطي
الجزء الأول :
لم أجد أحسن من كلمات الكاتب التي تلخص مفهوما إنسانيا رائعا “لوكنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها. نقتطع جرءاً من ساقها.. نغرسه، بلاجذور، في أي أرض.. لا تلبث الساق طويلا حتى تنبت لها جذوراً جديدة.. تنمو من جديد.. بلا ماض.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته : “كاوايان” في الفيليبين و “خيزران” في الكويت.. أو “بامبو” في أماكن أخرى…
قسّم الكاتب روايته إلى خمس أجزاء.. الجزء الأول: عيسى قبل الميلاد قام الكاتب بتصدير أسامي شخوص الرواية وبدأ باسمه الذي لم يختره.. “هوزيه خوسيه”..الفلبينيو Arabo…وعيسى. وهذا طبيعي لأنه البطل الرئيسي وكل الأحداث تتمحور حوله ليتمادي في ذكر بقية الأسماء معتمدا على ما روته له أمه “جوزافين” هذه الفتاة الفلبينية التي تركت كل شيء وسافرت إلي الكويت للعمل كخادمة في بيت عائلة “الطاروف” العريقة المكونة من الست الكبيرة “غنيمة” وثلات بنات هنّ : نورة، عواطف، هند وابن اسمه راشد الذي أصبح أبا لعيسي في نزوة قضاها مع الخادمة “جوزافين”. حكت الأم لابنها كل الحيثيات عن عائلتها قبل السفر.عن أختها، “ايدا” ذات السبع عشرة ربيعا، التي رمى بها أبوها “ميندوزا” المقامر في صراع الديكة لأحد السماسرة لتعمل كنادلة ولتبيع جسدها بأثمان متفاوتة، لتوفير الطعام والدواء للعائلة ولكنها لم تواصل لأنها حملت لتلد ابنة سمتها “ميرلا”. حاول أبوها أن يعوضها بأختها الصغرى “جوزافين” لكنها فرت إلي الكويت عن طريق مجموعة من سماسرة اليد العاملة دفعت لهم المال وبقيت مرهونة لهم لسنوات لأنهم سوف يتقاسمون مع عائلتها نصف المبلغ الذي ستتقاضاه من مشغليها. رحلت “جوزافين” بمفردها لكنها عادت للفلبين ومعها مولودها، عيسى أو “هوزيه”.. هي ليست وحدها لأن في الفيليبين هناك عديد الأبناء مجهولي الآباء.. كبر الطفل في أرض جده “ميندوزا”…
الجزء الثاني : عيسى بعد الميلاد.
“جوزافين” الأم الخادمة ما كاد يبلغ ابنها العاشرة حتى بدأت تحكي له كل الحيثيات حتى عن أصدقاء أبيه “غسان” و”وليد” وتطلب منه قراءة رسائل أبيه رغم قدمها لتجعله مرتبطا بهذا البلد الكويت.. لكنه نما وترعرع طيلة طفولته وفترة مراهقه في “مانيلا”.. تنفس هواءها شرب طقَوسها وجزءاً من عاداتها، تحدث بلغتها فشَعُرَ بدفء تربتها وحنانها رغم الصعاب التي اعترضته. فهل يمكنه التخلي عن بلد أمه الفليبين أونسيانها؟ هنا، سنستنتج الإجابة لاحقا في بقية الأجزاء رغم التيه الذي عاشه بطل الرواية..
الجزء الثالث :عيسى التيه الأول :
بدأ مع رحيل ابنة خالته “ميرلا” من البيت. غادر أرض جده وخرج للعمل كبائع موز ثم كمدلّك عضلات. تعرّف على “تشينغ البوذي” الذي مكّنه من السكن معه ومن خلاله تعرف على أفكار “بوذا”.. ففي هذا الجزء تعرّف على مجانين لا يشبهون أحداً إلاّ أنفسهم.. شباب من الكويت في رحلة سياحية إلى جزيرة فليبينية. تركي.. مشعل.. جابر.. عبد الله ومهدي.. ومن خلالهم رأى بلاد أبيه “الكويت” مفتخرا بأنه كويتي. عندما قدّم نفسه لأصدقائه كانت الصدفة الحزينة موت جدّه “ميندوزا”. “ايدا” التي ربته أصبحت مدمنة للكحول. “ميرلا” غابت ووالدته تزوجت رجلا آخر. فقرر وقتها الرحيل إلي بلد أبيه .
الجزء الرابع: عيسى التيه الثاني :
بدأ هذا التيه في المطار راكضا من صف إلي آخر لا يعرف إلي من ينتمي ويتواصل ضياعه في مدينة الكويت، رغم وجود غسان صديق أبيه الذي مكّنه من التعرّف بالصورة على ما كان يفعل راشد قبل استشهاده. فاتّخذ من ديوانية منزل جدتّه “غنيمة” سكنا واستقراراً.
الجزء الخامس : عيسى على هامش الوطن:
عاش أعياد الفطر والأضحى كمراقبٍ فسكن في “الجابرية”.. عاش حفلات عيد ميلاد مع شباب فلبيني أحسّ بأنّ المكان كأنه جزءا من الفليبين. انقلب عنه أفراد عائلة أبيه طُرد من العمل وانتهت أمواله، فعاد إلي بلاد أمّه “جوزافين”.. لم يودعه سوي أخته “خولة” وعمته “هند” و”غسان” صديق أبيه.. عاد ليتزوج حبيبته “ميرلا” ابنة خالته…رواية “ساق البامبو” للكاتب الكويتي : ” سعود السنعوسي” عميقة ومهمّة جدّا، إذ تطرح قضية البحث عن الهوية.. عن الدين. عن اللغة والوطن. وضّح الكاتب كل هذا في عدة مقاطع عن طريق بطل الرواية “هوزيه”. عيسى الذي كان يردد دائما : بلاد أبي.. بلاد أمي.. للحديث عن الكويت أو الفليبين أو عندما يقول : لماذا لم يضرب أبي بطن أمي وأنا مازلت قطعة لحم للتخلص منها عندما لم تعترف به جدته وأطردت أبيه “راشد” عندما ذهب لها مباشرة من المستشفى حاملا “عيسي”.الرضيع.
يقول عيسى بحزن بالغٍ:
انه قدري أن أقضي عمري باحثا عن اسمٍ ووطن. جدي ليس له أباً.. “ميرلا” كذلك. بينما انا لي أب لم اتعرف عليه إلا من خلال الصور أو الرسائل القديمة التي كانت تصل من حين لآخرأو من خلال ما روته لي والدتي رافقت بطل الرواية المرارة والألم لان عائلة ابيه راشد لم تعترف به رغم بطاقة الولادة والجنسية التي تحصل عليها في بلاد أبيه. كان عيسى في حقيقة الأمر، يبحث عن وطنٍ، عن هوية يفتخر بها أمام الجميع وتجعله يشعر بالانتمإء.