- حاوره : سالم البرغوتي
مساحة حرية التعبير في ليبيا ضيقة للغاية
كانت البداية أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
تحصل على جائزة مفتاح بوزيد للصحافة 2019.
الصحافة الورقية تلفظ أنفاسها الأخيرة.
النضج ناتج عن تراكم الخبرة التي تؤمنها التجارب.
فسانيا صوت حر ومسؤول.
لأول مرة يكون الأمر بالنسبة لي معقدا جدا، ليس لأن ضيفي هيّن أو أنه من العابرين في المسارات البعيدة يختفي ويتلاشى عندما تسقط الشمس خلف الحجب.
وليس لأن ضيفي كان ينتظر بلهفة أن أطرق بابه لإجراء حوار معه يعزز من قيمته الثقافية وهو قيصر الصحافة الليبية وأيقونتها وروحها ومن أعمدتها الكبار لغة وقيمة وعطاء.
يقول عنه الشاعر عاشور الطويبي إنه يجمع ما يتناثر من كلمات يغسلها بماء الميضه ليسقي بها شجرة التين .
وأنه رأي جبل العوينات في حلم ، فصار حارسا لحدائق التراب .
ويقول عنه أستاذ الإعلام بجامعة أم القيوين الدكتور عبدالكريم الزياني بأنه ليس صحفيا عاديا .
فكيف لي بعد هذا القول أن يكون الأمر بالنسبة لي ليس صعبا؟.
لقد ترددت كثيرا في طلب إجراء حوار معه .

ليس لأنني لا أثق في تواضعه أو خوفا من صدي ، بل خوفا من أن تخذلني ثقافتي المتواضعة من سبر غور شخصيته وتقديمها بما يليق بها على امتداد تاريخ طويل مليء بالأحداث والمواقف والتجارب والخبرات .
إنه الصحفي والشاعر الأستاذ، محمود البوسيفي.
سيرته الذاتية.
الأستاذ محمود البوسيفي، صحفي وكاتب، وقاص ،وشاعر ليبي، من مواليد 1955 بمدينة غريان .
بدأت مسيرته الصحفية في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي بوكالة الأنباء الليبية مندوبا ومحررا قبل أن يتولى إداراتها منتصف التسعينيات وعمل مراسلا للوكالة في مصر وسوريا والإمارات والكويت.
كما شغل منصب إدارة الأخبار بالتلفزيون، ثم مديرا لإدارة الإعلام الخارجي، ومديرا للمركز الثقافي الليبي التركي، ومستشارا إعلاميا بالسفارة الليبية في بيروت.
انتخب البوسيفي أمينا لرابطة الصحفيين الليبيين في الفترة من 1991 إلى 2006 والأمين المساعد لاتحاد الصحفيين العرب بين 1996وحتى 2008.
وشغل عضوية اللجنة التنفيذية لاتحاد الصحفيين الأفريقيين 1996وحتى2000 وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العالمية للصحفيين 1994وحتى 1997.
كما تولى منصب رئيس اتحاد الصحفيين المستقلين، و تولى أيضا رئاسة تحرير مجلة المؤتمر ثم رئاسة تحرير جريدة أويا وعين بعدها مديرا عاما للهيئة العامة للصحافة حتى2011.
منحت له جائزة الدولة التقديرية للصحافة سنة 2023
كما تحصل على جائزة مفتاح بوزيد التقديرية للصحافة سنة2019.
إصدارات الكاتب .
أمريكا التي نحب 2006
أبجدية الرمل 2006
خلايا نائمة 2015
لعلها شجرة بعيدة2017 .
أستاذ محمود ، أنت من مواليد غريان ، لكنك درست في طرابلس ، حدثنا عن مرحلة الانتقال والدراسة ، والمدارس التي درست بها، وعن علاقتك بمعلميك، وكيف نمت لديك موهبة الكتابة؟.
درست السنة الأولى الابتدائية بمدرسة أولاد بن يعقوب بغريان، وانتقلت العائلة للعيش بطرابلس فدرست النصف الأول من السنة الثانية بمدرسة جامع عمورة بفشلوم وأكملت السنة بسوق الجمعة، حيت أنهيت المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
كان المعلمون في تلك الفترة شخصيات مبجلة ، تحظى بتوقير واحترام واسع ، وكنت من الطلاب المجدين وهو ما نسج علاقة طيبة معهم.
عشقت القراءة مبكرا ونشرت أول قصة بمجلة الليبي الصغير الصادرة عن مجلة ليبيا الحديثة، وأنا في السنة الرابعة الابتدائية، كنت متفوقا في الكُتاب وفي المدرسة.
وفي المرحلة الإعدادية افتتح في المنطقة المركز الثقافي والمكتبة العامة حيث أصبحت من روادهما الدائمين وساعد انخراطي في الكشافة وفي نشاطات نادي الهلال ( الترسانة لاحقاً) الثقافية في تعزيز هذا الانحياز.

أعتقد أن المرحلة الجامعية كانت مرحلة الاكتمال في تكوين شخصيتك وتحديد المسار ؟
تزامن دخولي للجامعة ( كلية الآداب ـ بنغازي) 76/75 أنا والصديق العزيز بشير زعبية، مع ترشيحنا من وكالة الأنباء الليبية التي كنا بدأنا العمل بها أواخر 1973 للعمل كمراسلين أنا في القاهرة وبشير في باريس. تعثر بذلك دخولنا للدراسة الجامعية.
في حديث سابق قلت إن الصحافة الإلكترونية لا مفر منها وستشهد الأيام القادمة المانشيت الأخير للصحافة الورقية ألا يتعارض ذلك مع وجود الصحف الورقية في معظم الدول ولها قراء كثيرون؟.
الصحافة الورقية تلفظ أنفاسها الأخيرة، تحتضر ،في جميع أنحاء العالم. تهرول صوب المتاحف، سوف تسكن أجمل صفحات التاريخ.
ألا ينطبق ذلك على الصحافة الإلكترونية ؟ فالقارئ لا يتحمل قراءة مقال كامل عبر المواقع ؟
القارئ تشده المانشيتات فقط الصحافة الإلكترونية هي الآن في مرحلة تجاوز الفطام، تكتسب خبرات كل ثانية، ولا تنسى ما سوف يضيفه الذكاء الاصطناعي من آليات.
وأين نحن من هذه التحولات؟

المجتمع الليبي في الغالب لا يقرأ . ويعتمد على أخبار مدسوسة متعددة الأغراض في مواقع التواصل الاجتماعي، المجتمع الليبي نسخة عن المجتمعات العربية ، يعاني من نفس الأمراض التي يفرزها نظام الاستهلاك ، مجتمعات تعيد إنتاج البؤس، رغم أكاذيب الفضائيات.
في ظل السلطة السياسية القائمة في أي بلد هل على الصحفي أو الكاتب أن يتماهى معها؟
أم عليه أن ينتقدها متى رأي ذلك ضروريا؟ أم عليه أن يتخذ موقف الحياد؟.
سأروي للرد على هذا السؤال ثلاثة أشياء، الأول ما قاله الفيلسوف الفرنسي البير كامو : الصحفي هو مؤرخ اللحظة.
الثاني ما قاله أحد السياسيين الروس وهو أن الفقير يشتري جريدة والغني يشتري رئيس التحرير .
الثالث خاطب الرئيس اللبناني شارل حلو رؤساء تحرير الصحف اللبنانية وهو يستقبلهم في القصر الجمهوري: مرحبا بكم في بلدكم الثاني.
الإعلام الغربي يتعاطى مع القضايا العربية بنوع من التطرف وخارج إطار الموضوعية دون أن ينقل الحقيقة.
في نظرك هل تعود الأسباب إلى عدم فهم طبيعة الصراع أم هو انحياز متعمد؟.
طبيعة الصراع ليست فيزياء يصعب فهمها، الإعلام الغربي يمارس دوره المكلف به في التضليل والتزييف، خاصة والجميع يدرك سطوة القوى الصهيونية التي تسيطر على وسائل الإعلام الغربي.
هيكل والصافي سعيد، جبران تويني، جهاد الخازن، رفيق نصر الله، شارل أيوب وغيرهم
صحفيون وكُتاب أثروا في الحياة السياسية وفي القرار السياسي في بلدانهم.
هذه النوعية من الكُتاب نفتقدهم في ليبيا . لماذا في نظرك؟
هؤلاء ظهروا في مناخ توفرت فيه اشتراطات بناء الدور الذي لعبوه. مناخ سياسي يسمح بالمشاركة. مناخ ثقافي متعدد. مناخ يعترف بالآخر ويقبل به. مناخ يصنع المعادلة التي تسمح بظهور مثل هؤلاء.
يختلف العالم حول مفهوم الإرهاب. فهناك من يرى من وجهة نظره أن النضال الفلسطيني وحزب الله والحوثيين حركات إرهابية، وظهر هذا المفهوم بعد أحداث 11سبتمبر .
كذلك هناك اختلاف حول خطاب الكراهية . فمن السهل أن يتهم الصحفي من قبل الأنظمة السياسية بتعميق خطاب الكراهية.
هل يمكن تحديد مفهوم خطاب الكراهية من وجهة نظرك؟
الحكيم الصيني كونفوشيوس سأله مريدوه عن أول قرار يتخذه لو حكم العالم، قال: أحدد معاني الكلمات.
نحن العرب نرى أن المناهج الدراسية في الكيان الصهيوني مزدحمة بخطاب الكراهية، هم يرون أن خطب الجمعة في مساجد الوطن العربي هي عبارة عن خطاب كراهية، العالم الذي يتابع ما يحدث في غزة صار يعرف الأكذوبة التي يروجها الإعلام الغربي عن الإرهاب، هم يمتلكون القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية. وبالتالي يعملون على فرض رؤيتهم وإجبار الآخرين على اعتناقها.

وماذا عن مفهوم خطاب الكراهية في إطاره المحلي؟.
بسبب اختلاف مرجعيات التوجيه. نحن أمة مازالت تتقاتل بسبب اختلاف دموي على السلطة حدث قبل 1400 سنة.
على مدى نصف قرن من العمل الصحفي والتي تجاوزت حدود الوطن إلى عوالم أخرى من خلال شبكة علاقات عربية ودولية مع كُتاب وصحفيين عرب وغربيين.
كيف تقيّم هذه التجربة من حيث الاستفادة؟ وهل كان لها تأثير على نضوجك الصحفي والفكري؟
النضج هو ناتج عن تراكم الخبرة التي تؤمنها التجارب ، وأنا عشت تجارب أعتبرها مفيدة داخل وخارج الوطن. الحياة خارج مجتمعك أكسجين آخر. و العلاقات مع الآخر تشكل إضافة تسند الروح.
في ظل الانتشار الواسع للإعلام الرقمي .كيف يمكن للصحفي أن يوازن بين السرعة والمصداقية؟
كان عمر الخبر في السبعينيات (تحت سطوة وكالات الأنباء العالمية) لا يتجاوز ثلاث دقائق. الآن تبخرت هذه المساحة الزمنية، صارت جزءًا من الثانية، هذا ما يخص السرعة، أما ما يهم المصداقية فيخضع لمصدر الخبر وعلاقته ب(غوبلز) أو أحد أعوانه. وهنا يحضرني الفيلم الأمريكي (ذيل الكلب) بطولة الممثل داستن هوفمان .الذي يفضح أساليب صناعة الخبر في الغرب ومصداقية تلك الأساليب.

هل ترى أن هناك مساحة حقيقية لحرية التعبير في ليبيا اليوم وفي هذه المرحلة الصعبة؟
مساحة ضيقة للغاية.
محمود البوسيفي الشاعر
أنت تنتمي لجيل تأثر زمنيا بشعر القافية غير أن ديوانك لعلها شجرة ملعونة ينتمي لجيل شعراء النثر .ما السر في ذلك؟
مازلت أؤكد أني لست شاعرا، الأصدقاء في مصر هم من دفعوا باتجاه تجميع ما كنت أنشره في الفيس على فترات متباعدة من شذرات أتنفس خلالها خارج أجواء الكتابة الصحفية.
وعلى كل حال، الشعراء في جيلي تجاوزوا آخر عتبات الشعر العمودي، وأصبح شعر التفعيلة أو الحر هو الأكثر جرأة وحضورا.
والمجايلة متوفرة بين الأشكال الإبداعية، هل تتذكرون كتابات الأستاذ عبدالله الخوجة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وما تزخر به من فانتازيا باذخة.
أنا صحافي ، أحب الأدب هل ثمة حدود تفصل بين الاثنتين الصحافة والشعر المباشرة والتقريرية ؟
هل تجد في الشعر ملاذا من صخب العمل الصحفي؟ أم أنه امتداد آخر للحقيقة وبلغة أكثر دقة؟
وما الملاذ إذا لم يكن سعيا نحو أفق آخر للحقيقة.

كيف ترى العلاقة بين الصحافة والشعر؟ هل تجد أن أحدهما يؤثر على الآخر من تجربتك الشخصية؟
الشعر ، والأدب بشكل عام في حياتي هو تحصين أو مضاد حيوي ضد كآبة متوحشة تتربص بي وعشت عمري أتجنبها.
الصحافة في مجتمع يدعم حرية التعبير دستوريا يمكن اعتبارها نافذة مشرعة على حقول الشعر والرواية والمسرح.
مارأيك في الحركة الشعرية المعاصرة في ليبيا؟ هل ترى أن الجيل الجديد من الشعراء يضيف شيئا مختلفا؟
نعم ، الشعر في ليبيا بخير. ثمة أصوات أصيلة. من الأحياء أطال الله في أعمارهم تمتد سلاسل من الشاعر الكبير مفتاح العماري إلى الشاعر الجميل سراج الدين الورفلي ومن سميرة البوزيدي إلى يارا عبدالله.. سلاسل من لغة معجونة بعذوبة مطمئنة.
لو طلبنا منك بيت شعر يلخص تجربتك في الحياة فماذا تختار ؟
إن دخولي باليقين كما تراه
كل الشك في أمر الخروج
تتجنب الحوارات واللقاءات الصحفية ، لكنك وافقت على إجراء هذا الحوار لصحفية فسانيا
مشكورا. هل من كلمة لصحيفة فسانيا ولرئيسة التحرير سليمة بن نزهة؟
فسانيا صوت حر ومسؤول. هي التعبير الأقوى على قول الحقيقة. هي الانحياز للجدوى. فسانيا تحترم عقل القارئ ولذلك أحبها وأتعلق بها مصدراً موثوقا. مرحى.
وأقول للأستاذة سليمة بن نزهة. :صمودك وسط الظروف الاستثنائية التي تعصف ببلادنا شرف للمهنة. أصفق لك بحرارة.
شكرا للأستاذ الصحفي والأديب سالم البرغوثي.
امتناني لك أستاذ محمود
على بساطتك وصبرك وتفاعلك مع الأسئلة.
كان يعتيرني خوف من لقاء عملاق مثلك، لكنك أذبت الجليد بحرفيتك وتواضعك.
شكرا من القلب.















