وصلني كتاب ذاكرة الميدان لكاتبنا العزيز المبدع، شكري السنكي، في وقت صعب نفسياً عليّ وصحياً. وقد وصلني قبل يوم واحد من فيضانات درنة، وانشغالي عليّ الأهل الذين انقطعت كل وسائل الاتصالات بهم، ووفاة زوجة أخي في ذاك اليوم المشؤوم. ومنذ ذلك الحين وإلى يوم الخميس الماضي مكثت في المستشفى أياماً صعبة.
اعتذر اليك ايها الصديق العزيز، شكري السنكي، علي بطء قراءة الكتاب وبالطبع أيضآ تأخر التعليق.
الكتاب، ذاكرة الميدان، هو محض مشعل حارق من الممكن أن يساعدنا على الشروع في سفرية الغوص. فلنقرأه بحكمة، لأن قوة الجهل واللامبالاة، أيها الأخوة، عارمة.
ذاكرة الميدان، هو كتاب سردلة تاريخ صنعته حركات وأهمها الحركه الطلابيه، وأيضاً رواية تاريخيه لوطن عاش في جحيم حكم الفرد.
هذه الجرائم دخيلة على المجتمع، من حيث أن المشانق اعدت لليبيين من قبل ليبيين، وجاءت نتيجة كمية الأفكار المتطرفة التي لقنها القذافي للشباب الذين استقطبهم إلى ما يعرف باللجان الثوريه، تعبئة خاطئة لمجرمى أول سبتمبر.
فأبريل، 1977، مظهر متطرف للسيطرة القائمة علي الخوف والتى ميزت حكم القذافي. فمن خلال المشانق والإعدامات للأفراد الذين تجرأوا على تحدي سلطته أو التشكيك في إيديولوجيته علناً، أرسل رسالة مخيفة إلى مختلف أبناء المجتمع من كافة أنحاء البلاد ــ الرسالة التي أسكتت فعلياً أي شكل من أشكال المعارضة في ذاك الزمن. إن تنفيذ عمليات الإعدام هذه وبهذه الطريقة العلنية البشعة، أدّى إلى بث الخوف بين السكان.
وبينما كنت منغمساً في قراءة ذاكرة الميدان، تذكرت كتاباً آخر اسمه سيكولوجية الجماهير: «Social Psychology» للكاتب: جوستاف لوبون. والذي يقول قيه ما يعني ان الفرد يتحرك بشكل واعِ، أما الجمهور يتحرك بشكل لا وعي. ذلك يعني أن الوعي فرد واللاوعي جماعي.
وعلى عكس الكثير من الباحثين،يرى «لوبون» بأن الجماهير ليست مجرمة، وليست فاضلة، وإنّما هي قد تكون مجرمة ومدمرة أحياناً، وقد تكون أحياناً أخرى كريمة وبطلة، وهذا ما شاهدناه في بداية انقلاب أول سبتمبر، جماهير كانت فعلاً مجرمه ولكن سرعان ما اكتشفت المؤامرة عليها وعلي وطنها.
وبالتالي فالفكرة الشائعة عن الجماهير بأنها فقط مدمرة وتحب السلب والنهب والشغب هي فكرة خاطئة.
في الماضي كان الدين، أو بالأحرى كانت الأيديولوجيا الدينية هي التي تهيج الجماهير وتجيشها لكي تنخرط في الحركات الكبرى (كالحروب الصليبية مثلاً أو كالدعاية العباسية التي قلبت الدولة الأموية.. إلخ).
ولكن بعد أن «تعلمنت» أوروبا في العصور الحديثة، حلت الأيديولوجيات السياسية محل الدينية في القيام بهذه المهمة
يرى، غوستاف لوبون، أنه لا توجد الجماهير من دون قائد، والعكس صحيح أيضاً، إذ لا يوجد قائد من دون جماهير.
ويقول: “القائد يمارس عملية تنويم مغناطيسي على الجماهير تماماً كما يمارسه الطبيب على المريض”. وبالنسبه لنا، فالتنويم المغناطيسي بدء في بيان الانقلابيين الأول.
يرى أن الجماهير تحترم القوة ولا تحترم الطيبة التي تعتبرها شكلاً من أشكال الضعف. وما كانت عواطفها متجهة أبداً نحو الزعماء الرحيمين والطيبي القلب،وإنما نحو المستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس، وإذا كانت تدعس بأقدامها الدكتاتور المخلوع، فذلك لأنه قد فقد قوته واصبح ضعيفا غير مهاب.
يرى أن الجماهير مستعدة دائماً للتمرد على السلطة الضعيفة، فإنها لا تحني رأسها بخنوع إلاّ للسلطة القوية، وإذا كانت هيبة السلطة متذبذبة بين الضعف والقوة فإن الجماهير تنتقل من الفوضى إلى العبودية، ومن العبودية إلى الفوضى.
كتاب ذاكرة الميدان تطرق إلى الحركه الطلابية. تاريخ الحركة الطلابية الليبيه الرائدة والتي مثلت تاريخاً ساطعا وفصلا لا يستهان به في تاريخ النضال الليبي، فدور الحركه كان القدح المعلى وحظ السبق فيه، فتاريخها حافل بالمواقف والتجارب والتحديات والانجازات لكن ما كُتب عنها حتى الآن ما هو إلاّ نذر قليل لا يليق بما قدمته الحركة الطلابية في البناء السياسي والنقابي في المجتمع.
تحياتي لك ولكل الأسماء التي ذُكرت في الكتاب والذين ساهموا في إنتاج هذا الكتاب.
بقلم الدكتور عقيلة بدر
الصفحة الشخصية على الفيسبوك
الإثنين الموافق 16 أكتوبر 2023م