بقلم :: ليلى المغربي
مطلع ديسمبر وبعد أن زادت حدة الاشتباكات في طرابلس وتناثرت الأخبار والشائعات على الفيسبوك عما يحصل في شوارعها ، بدأت أسئلة الأصدقاء من خارج طرابلس تتهافت عليّ ..
هل أنتم بخير ؟ هل أنتم بأمان ؟ هل يوجد اشتباكات قربكم ؟ ..
كنت أجيبهم تلقائياً أنني بخير وفي منطقة بعيدة عن محاور الاشتباك وأنني بأمان ..
لكنني لم أكن بخير ولا أشعر بالأمان ..
جغرافياً نعم كنت بأمان نسبي ،
كذبت .. نعم اخترت أن أكذب عليهم ، كي لا أفصح وأشرح لهم عن معنى الإحساس بالأمان بالنسبة لي ، من السهل أن أكذب دون أن يراني محدثي أومحدثتي فهم لا يرونني ، ذلك لأنني لا أتقن التمثيل وإخفاء مشاعري وكذلك الكذب بكل تصنيفاته وأشكاله وألوانه ، ملامح وجهي تفضحني دائماً ، ربما يعود هذا لحادثة مررت بها وأنا طفلة في الثامنة من عمري ، وقتها كانت والدتي توزع علينا قطع شوكولا فاخرة جاءتنا هدية من صديق والدي العائد من فرنسا ، كنا نجلس في حديقة البيت العامرة بالأزهار ودوالي العنب والياسمين والحبق ، وأنا أول من تحصل على حبة الشوكولا اللذيذة ، ولأن عددنا كان كبيراً أنا وشقيقاتي وأشقائي نسيت والدتي من تحصل على حصته فسألتنا من لم ينل حصته بعد ؟ أخفيت غلاف الشوكولا خلف ظهري بيدي اليسرى ومددت نحوها يدي اليمنى أطالبها بحصتي مدعية أنني لم آخذ شوكولا ، وحين كنت أهم بأن أحلف لها شعرت بوخزة ألم في يدي اليسرى ، لسعة النحلة التي اختارت يدي المخفية جعلتني أصرخ وظهرت يدي وفيها غلاف حبة الشوكولا ، وكانت كفيلة بتلقيني درساً عن عواقب الكذب .
لا يزال طعم الشوكولا عالقاً بذاكرتي وكذلك لسعة النحلة ، وأتذكرها كلما شعرت أنني على حافة الكذب ، أو على الأقل ما نطلق عليه كذبة بيضاء مثل “كذبة أبريل” التي لا تخلو من طرافة ، وأحياناً كي لا أفصح عن مشاعري أو رأيي .. ألسنا كلنا نفعل هذا ؟؟ ولهذا السبب تحديداً اخترت أن أكذب على الأصدقاء .. ولأننا لسنا في شهر أبريل وكان اليوم الأول من ديسمبر أسميتها ” كذبة ديسمبر” ..
كيف أشرح لهم أنني لم أكن بخير منذ فترة طويلة ، لم أشعر بالأمان قبل أسابيع قليلة وسبها تخوض حرباً بسبب قرد ! ولم أكن بخير وبنغازي وسرت تستعر فيها الحرب ، جسدياً لم أكن هناك حتى أنني لم يسبق لي زيارة هذه المدن ، لكن روحي التي عرفت كل بقعة في هذه الأرض المسماة ليبيا كانت ترافق أهلها بالحزن والوجع والفرح ..
حسناً ربما لو أخبرتهم بما يعتمل في النفس لأتهموني بأنني طوباوية ، فوسط كل ما نعيشه من احتراب انخفض سقف الأماني والأحلام .. لكن اتصال هاتفي من صديقتي أمينة أخرجني من أفكاري وأحزاني ، كنت أظنها تتصل لتطمئن علي فقط كبقية الأصدقاء ، لكنها قالت لي: بعد أن أطمأننت عليك سأعترف لك بأن اتصالي هذا له سبب أخر يخصني …
كان صوت أمينة نغمات متراقصة لا كلمات حين تابعت حديثها : ستظنين أنني مجنونة فرغم ما يحصل في مدينتنا لكنني اليوم أشعر بمذاق الفرح على ضفاف القلب ، بطعم الحب .. إلتقيته اليوم .. كانت تتكلم بسرعة لم تعطني فرصة للتعليق ، حين توقفت أخيراً ، قلت لها أنني سعيدة لأجلها ، قاطعتني مجدداً : أرجوك لا تظني أنني لا آبه لما يحصل أو أنني لست موجوعة وحزينة .. أنا فقط أقاوم الحرب بطريقتي .. وهنا علا صوتها قليلا .. ” نبي نعيش .. نبي نحب .. وقفوا الحرب .. نبي نحب .. ” ودعت أمينة بأمنيات حرصت أن تكون صادقة وبعيدة عن كذبتي الخاصة ” كذبة ديسمبر” ..