بقلم :: أحمد شوقي
ما هو الأساس الأول الذي نتعامل به مع السينما ؟
إن تناولنا للفيلم في وقت الفراغ و عطل نهاية الأسبوع و التعامل معه على أنه مادة مؤقتة للمتعة فقط هو ما يحدد سطحيتنا إتجاه السينما. إذا المسألة الأولى ما الذي نريده من الأفلام ؟ هل الأفلام تضيف لنا شيء ؟ هل هي متعة مؤقتة ؟ أم سلوك انساني قد يغير فينا شيء ؟
الأفلام التي تحمل قصصاً واقعية و حقيقية و التي تعبر عن أزمة الإنسان في هذه الحياة لا يكفي أن نطلق عليها “دراما” فقط. هذا هو النوع المفضل لدي في الحقيقة و من هنا عرفت أن السينما ليست للمتعة فقط و لا يتم التعامل معها بقدحة العين فقط أيضا, بل بجميع حواسك. بروحك الجدية و تعاطفك مع القصة و اندهاشك و بتلك الحالة التي تمثل الصدمة كمعرفة الحقيقية في آخر الفيلم مثلا! إننا بحاجة لسينما في حياتنا اليومية كحاجتنا للقراءة و التعلم, كونها تضيف سلوك روحي للإنسان و كم من المعرفة لا بأس به. و تحمل في رسائلها الكثير من جميع أنواع الفنون و الأدب و الموسيقى.
عندما تخضع كامل إرادتك للفيلم سيرتد عليك بدوره بالإدراك و الحس و المعرفة و الشعور حينها يصبح هذا الشريط بكرة من بكرات حياتك التي تدور و ستظل تدور حتى أخر يوم من عمرك. ستصبح جزء من نظرتك للحياة في تعاملك مع الأخرين في فهمك لذاتك أكثر. في النهاية ستشعر بمتعة السينما ومقدرتها لجعلك تشعر بإنسانيّتك. ستتفاعل بكامل قواك العاطفية و العقلانية عندما تأخذها على محمل الجد. ستبكي ستضحك ستمر عليك أيام تأخذ فيها عزلة عن الحياة عن كل شيء لمجرد أنك شاهدت فيلماً كلاسيكياً هادئاً أو تعاملت مع محتوى الفيلم الذي يتناول قضية على أساس أنه قضية حقيقية لا يجب التفرج عليها فقط!
إن الأمر ليس بغاية الصعوبة, قليل من الحب و التفاعل مع الشاشة ستفهم لماذا يبكي البطل و لماذا ضحت الحبيبة و لماذا انتهى الفيلم بهذه الطريقة. لأنهم عاشوا الواقع و السينما دائما تحاكي واقعنا لهذا السبب قد تجد حياتك توقفت فجأة !
ما هو الصرح القوي الذي تقوم عليه السينما ؟
هذا السؤال يطرح الكثير من الأفكار إذ ما تعمقنا فيه نجد أن المتفرج الذي هو أنا و أنت هو الأولوية الأولى دائما لدى طاقم العمل من مصورين و فريق إخراج و كتٌاب و ممثلين. لذلك إن اعتماد الأفلام لدى صناع السينما هو نص قوي تكتمل فيه أركان المشهد بحيث تصل إلى المشاهد ويتفاعل معها. على سبيل المثال أنا عادة أتفاعل بسرعة مع النص و المشهد و شخصية الدور. هذه الثلاثية قد أحترق معها حرفياً !
إني أتفاعل و أنغمس بكامل ذاتي و مشاعري و هنا يكسب الفيلم أرباحه بالملايين كما الحال لدى المخرج و الممثل و فريق العمل إنهم يصبون كامل طاقتهم لأنهم يأخذون الأمر على محمل الجد من أجل المشاهد و السينما.
عليك إذا بدورك أن تبني صرحك القوي أن ينمو مثقف بداخلك يفهم لغة السينما و يتلقاها بجميع حواسه لا بالعين فقط! لأنك إنسان يشاهد و يفهم و يشعر و ليس آلة تسجيل. إن محيط ادراكك للمشهد لا يكفي قطره بأن تحسب المسافة بين الممثل والمخرج فقط! بالطبع لا. هناك الكثير خلف الكواليس و لو أنك شاهدت هذا المشهد الذي يقوم به الشرطي بقتل المجرم من زاوية أخرى لشاهدت عشرة أشخاص قائمون على هذا المشهد.
ضع نفسك مكان الكاتب و اطلق العنان لمخيلتك.! ناقش أحداث الفيلم مع نفسك. و اطرح الكثير من الأسئلة.
لماذا لم يعجبك أداء الممثل ؟ ما مدى عمق النص ؟
الكثير من الأسئلة و إنك في الحقيقة تفهم كل ذلك و لكن لسبب ما تشعر برغبة في عدم التورط و البعض أيضا يخشون فهمهم الخاطئ للسينما و أنهم قد يبوحون بأفكارهم و نقدهم حول الفيلم و يسبب لهم بعض الإحراج كون محيطهم لا يفهم ما يقولونه !
و أنا أقول لك لا يا عزيزي . أكتب رأيك دائما لأنه يمثلك أنت لا هم. و عبر عن ما تشعر به لأنه شعورك. حتى لو كان ثمة أشخاص لا يهتمون, حتى لو كنت تشعر بالخجل من أن يراك أحد أفراد العائلة أو أحد أصدقائك و يتهمك بالفلسفة المفرطة ! في الحقيقة إنه يحدث دائما و لا يهم يكفي أنك تهتم و أنك قوي لتعبر عن رأيك و هذه جائزة !
نصائح .
بالطبع لا يوجد فيلم يراه شخصين بنفس النظرة و العمق و التفكير. لكل منا شخصيته و أفكاره و السينما لا تحصر نفسها في نوع واحد فقط من القصص ، البعض يفضل الواقعية و البعض الاخر يفضل الكوميديا. التفضيل يمثل شخصيتك و لكن لا تقمعها في نوع واحد. شاهد الكثير من فئات الأفلام و ستفهم تجربة السينما أكثر مما كنت عليه سابقا ، للفيلم الجيد علامات لا تخفي عنك. الأفلام الرائعة دائما تدهشنا و تعلمنا شيء جديد عن السينما. و لا ضرر أن تشعر أن غبي في آخر الفيلم لأنك لم تفهمه منذ البداية ، زر الخطوة. قفزاتك الكثيرة بين فترات الفيلم غالبا ما تعبر على تكرار المشاهد أو بطئ عملية سرد القصة. و أحيانا تشعر انك انتقلت في المشهد الواحد أكثر من مرة و لم يفتك شيء, هذا الضعف في الإخراج يولد ملل و ضغينة اتجاه الفيلم و لن يكون فيلم جيد على أية حال.
ادعم نفسك دائما بقراءة بعض المقالات عن الأفلام التي شاهدتها مؤخرا. تابع أخبار النقاد و السينما و الجوائز التي تعطى كل عام. تابع الصفحات السينمائية على مواقع التواصل الاجتماعي. إن الكثير من الأشياء يمكن فعلها عندما تشارك السينما شغفك. و تذكر دائما أنك متفرج يفهم و يشعر و ليس آلة تسجيل !