- د. منى كيال د. محمد فتحي عبد العال
مع تصاعد أزمة كورونا بشكل حاد وتزايد نسبة الاصابات والوفيات من جراء الاصابة بهذا الفيروس حول العالم، بات حلم المهتمين إيجاد لقاح يضع حداً لانتشار الوباء. وبعيدًا عن نظريات المؤامرة وشيطنة بيل جيتس وهيمنة الماسونية ونشر الأكاذيب من قبل بعض الجهات السياسية والجماعات المناهضة لاستعمال اللقاحات، يبقى إيجاد لقاح آمن وفعّال حلم يسعى له العلماء الذين يعملون في سباق مع الزمن لم يسبق له مثيل من قبل. ما معنى لقاح ولماذا هذا التباطؤ؟ إن مبدأ اللقاحات يعمل على ادخال الفيروس المضعف أو المقتول أو أجزاء وراثية منه الى جسم الانسان لتحريض جهاز المناعة على توليد أجسام مناعية ضد الفيروس، تحمي من المرض في حال التعرض له مستقبلًا . إن انتاج لقاح وتصنيعه بكميات كبيرة يمر بمراحل طويلة من التجارب ماقبل السريرية والسريرية، حيث يحيط انتاج اللقاحات عدد كبير من الأبحاث لضمان فعاليته وسلامته، والتي تحتاج لتكاليف ضخمة لا يمكن للشركات الدوائية القيام بها دون دعم حكومي كبير، إضافة لطبيعة الفيروسات وقدرتهاعلى التحوّر السريع مما يوسع من رقعة الأبحاث وتكاليفها، مع امكانية فشل هذه التجارب في نهاية المطاف أو تلاشي المرض قبل تطوير اللقاح، مما يكبّد هذه الشركات خسائر فادحة. اللقاح ومناعة القطيع من المفترض أن يحمي اللقاح الأشخاص وكذلك المجتمع من انتشار الوباء فيه. فالأشخاص الممنعين لا يصابون بالفيروس وبالتالي لا يمكنهم نقل العدوى في المجتمع، وهذا ما يعرف بمناعة القطيع. ألهمت نظرية مناعة القطيع العلماء لضرورة تمنيع نسبة كبيرة من المجتمع لوقف انتشار الفيروس والسيطرة عليه، أي تلقيح أكبر عدد من الأشخاص لزيادة نسبة الممنعين ضد الفيروس في المجتمع. بينما يرى البعض الآخر فوائد لإعطاء اللقاح للمجموعات الأكثر خطورة كوقاية من إصابتهم باختلاطات خطيرة. اللقاح لمن؟ في رسالة مفتوحة ضمت مائة وأربعون شخصية عالمية من بينهم رئيس جنوب أفريقيا ورئيس الوزراء الباكستاني، شدّد الجميع على أن حلم اللقاح المرتقب لابد وأن يخلو من مفاهيم الهيمنة، وأن الحصول عليه لابد وأن يكون عادلاً و متاحاً للجميع. وفي ظل استياء الولايات المتحدة الممول الأكبر لمنظمة الصحة العالمية من أداء هذه المنظمة، فان توزيع لقاح الكورونا وغيره من اللقاحات والبرامج الصحية الموجهة للدول الفقيرة مهدد بالانخفاض، وبالتالي زيادة الهوة الصحية بين الدول الفقيرة والغنية . لقاحات واعدة ويتركز البحث عن لقاح للكورونا على ثلاثة محاور المحور الأساسي : البحث عن لقاح جديد حيث دخلت المختبرات العالمية وشركات الأدوية في سباق محموم من أجل تطوير لقاح مضاد لكورونا وانقاذ البشرية. ويجرى حالياً تطوير أكثر من مئة لقاح لفيروس الكورونا المستجد SARSCoV-2، منها ١٢ لقاح في مرحلة التجارب السريرية على البشر. هذه التجارب تحاول حرق المراحل واختصار السنوات الطويلة التي يتطلبها اطلاق اللقاحات عادة. وتعتمد فكرة هذه اللقاحات على أربعة تقنيات أساسية هي: 1-اللقاح المؤتلف Recombinant Vaccine – لقاح شركة Novavax وهي تقنية معروفة تستخدم في انتاج لقاح فيروس الورم الحليمي البشري HPV المسبب لسرطان عنق الرحم. اعتمدت شركة نوفافاكس الأمريكية هذه التقنية لتطوير لقاح لفيروس الكورونا المستجد SARSCoV-2. حيث يتم استعمال نسخ من بروتين سبايك Spike Protein الخاص بالفيروس لتحفيز الجهاز المناعي. ونظرًا لأن هذا اللقاح يحتوي فقط على قطعة من الفيروس ، فمن غير المحتمل أن يؤدي إلى آثار جانبية. ولكن من ناحية أخرى فإن استعمال قطعة صغيرة من الفيروس، قد يكون غير كاف لتوليد استجابة مناعية قوية، مما يتطلب اعطاء عدة جرعات من هذا اللقاح، كما هو الحال مع لقاح فيروس الورم الحليمي البشري. وفي ظل ظروف وباء الكورونا يبدو إعطاء جرعات متكررة من اللقاح لعدد كبير من الناس تحدياً كبيراً. 2-تقنية اللقاحات الجينية – لقاح شركة Moderna و شركتي BioNTech و Pfizer وتعتمد هذه التقنية على استخدام الكود الجيني للفيروس، أي استخدام المادة الوراثية للفيروس لتحفيز جهاز المناعة بدلاً من استخدام الفيروس الكامل . ويمكن بهذه التقنية انتاج كمية كبيرة من اللقاحات خلال عدة أشهر مقارنة باللقاحات التقليدية التي يتطلب تطويرها سنوات عديدة. تتكون هذه اللقاحات من قطع من المادة الوراثية للفيروس، حيث يتم ادخال ال mRNA الذي يشفر ال Spike Protein الى الخلايا البشرية التي تبدأ بقراءة التعليمات الوراثية وتنتج نسخاً من هذا البروتين. ومن بعدها يعمل الجهاز المناعي بالرد على وجود هذا البروتين الغريب بانتاج أجسام مضادة للفيروس. أي أنه وبدلاً من انتاج اللقاح خارج جسم الانسان، فإنك تجعل الانسان يصنع لقاحه الخاص. وقد لجأت لهذه التقنية شركة Moderna التي كانت الأسرع في تجربة لقاحها Dubbed mRNA-1273 على المتطوعين في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك لقاح شركة Pfizer الأمريكية وشريكتها الألمانية BioNTech، وتخطط الشركتان لتصنيع الملايين من الجرعات في الفترة القادمة. هذا النوع من اللقاحات سهل وسريع التصنيع بمجرد معرفة التسلسل الجيني الذي تستهدفه. لهذا السبب استطاعت شركة مودرنا Moderna الحصول على لقاح جاهز والبدء في اختباره بسرعة كبيرة. وقد أعلنت الشركة عن نتائج مبشرة في نتائجها السريرية مؤخراً، حيث أدى اللقاح إلى توليد استجابة مناعية مساوية لتلك التي تثيرها العدوى الطبيعية. ومع ذلك فإن تقنية اللقاحات الجينية لا تزال تجريبية، ولم يسبق أن اعتمدت في انتاج اللقاحات من قبل. ومن المعروف أنه تم تطوير لقاحات لفيروسات أخرى بهذه التقنية لم تنجح ولم تر النور. أما إذا اجتاز لقاح فيروس كورونا الجيني مراحل التجارب السريرية، فسيكون الأول من نوعه في هذا المجال. 3- تقنية الناقلات الفيروسية (ناقلات Adenovirus) – لقاح جامعة أكسفورد : وتستخدم هذه التقنية نسخة مضعفة من الفيروس الغدي (أدينوفيروس) كناقل للمادة الوراثية لبروتين فيروس كوفيد- ١٩. تعتمد هذه الطريقة أساساً على مبدأ اللقاحات الحية المضعفة، والتي تعد من أفضل الطرق لخلق مناعة طويلة الأمد، وهي الطريقة المستخدمة لانتاج لقاحات الحصبة وجدري الماء. فاللقاح المضعف يجعل الجسم يعتقد أنه مصاب فعلاً بالفيروس مما يجعله يولد ردة فعل مناسبة. ويستغرق تغيير الفيروس واضعافه في المختبر ليصبح آمناً وقتاً طويلاً. ولتسريع هذه العملية طوّر الباحثون في جامعة أكسفورد نموذجاً مطوراً ومعدلاً عن هذه الطريقة. حيث قاموا بادخال أقسام من جين الكورونا في نسخ حية مضعفة لفيروس الأدينو فيروس المسبب للاسهال والبرد عادة. وتستخدم هنا تقنية شبيهة باللقاحات القائمة على الجينات: حيث يقوم الفيروس الغدي (الأدينوفيروس) بحمل قطعة من المادة الوراثية من فيروس الكورونا، وعادة ما تكون القطعة التي تشفر بروتين السبايك إلى الخلايا. ثم تقوم الخلايا بعمل نسخ من هذا البروتين، تحرض جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة. يستجيب جهاز المناعة لهذا النوع من اللقاحات بشكل قوي ويترك مناعة أطول، ، ويمكن أن تكون جرعة واحدة كافية للتحصين ضد العدوى. وتبقى هناك مخاوف من أن بعض الأشخاص قد يكونون محصنين ضد الفيروس الغدي الذي يحمل جين الفيروس التاجي في الجسم. حيث أن الفيروسات الغدية شائعة عند البشر، رغم أنه تستخدم في انتاج اللقاح فيروسات غدية غير شائعة نسبيًا. كما أن هذه الطريقة تجريبية، حيث لا يوجد لقاحات معتمدة حتى الآن تستخدم هذه التقنية. 4-تقنية الفيروس المقتول – لقاح شركة Sinovac الصينية تعتمد هذه التقنية على استخدام فيروس معطل بالحرارة أو الاشعاع، مع الحفاظ على القدرة المناعية للفيروس الذي يحرض جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة له بكميات كبيرة. وهي طريقة مثبتة ومستخدمة منذ زمن طويل لانتاج لقاح شلل الأطفال والانفلونزا. ومن مساوئ هذه الطريقة أن انتاجها يحتاج إلى وقت طويل قد يمتد لعدة سنوات. وقد طورت شركات صينية سابقاً لقاحات مقتولة ضد أنواع من الفيروسات التاجية. وتقوم شركة Sinovac منذ شهر كانون الثاني/يناير بتجارب على لقاح ضد مرض COVID-19. وكانت سينوفاك قد نشرت نتائج في مجلة ساينس من أن لقاحها المسمى كورونافاك CoronaVac يحمي القرود من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وقد اجتاز اللقاح المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية على البشر. وتواجه الشركة عقبة انحسار موجة الفيروس في الصين، لذا فهي تتطلع نحو إجراء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في دول أخرى. في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة بأقصى إمكانياتها أن يكون اللقاح الأول من نصيبها، مما ينذر ببوادر حرب باردة على جميع الأصعدة مع الصين. المحور الثاني :البحث بين اللقاحات القديمة ومنها الأبحاث على لقاح MMR والذي يقي الرضع ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية لوجود بعض التشابه في البروتينات الرئيسية بها مع بروتينات الكورونا. وفي سياق متصل تجري أبحاث على لقاح السل الشهير BCG واختبار قدرته على تقوية المناعة في مواجهة مرض الكوفيد-19. المحور الثالث : أفكار غريبة ذهب خيال شركات التبغ إلى تجربة استعمال مادة النيكوتين لصنع لقاح للكورونا. ومن المقرر أن يبدأ اختبار لقاح Covid-19 التجريبي الذي طورته شركة التبغ البريطانية الأميركية BAT في التجارب على البشر. وقالت الشركة المصنعة للسجائر لاكي سترايك أن التجارب ما قبل السريرية للقاح أظهرت استجابة مناعية إيجابية عند الحيوانات. ويجرى التخطيط لبدء التجارب السريرية بعد الحصول على الموافقة من السلطات الصحية. وتعتمد فكرة اللقاح على فرضية أن النيكوتين قد يتمسك بمستقبلات ACE2 على سطح الخلايا التنفسية، ويمنع الفيروس من اقتحام هذه الخلايا. كما يقوم باحثون كنديون بأبحاث على نبات الماريوانا أوالقنب (الحشيش). حيث يعتقد أن لمادة CBD في الحشيش دوراً في تعديل عمل مستقبلات ACE-2 على سطح الخلايا، وبالتالي منع الفيروس من دخول الخلايا البشرية. لا تتوقف تجارب اللقاحات عند ما أوردناه، فالعديد من التجارب تدور رحاها حول العالم، ولربما حمل لنا المستقبل القريب مفاجآت جديدة حول لقاح كورونا المنتظر. ويبقى السؤال الأهم: هل فعلاً يمكن تطوير مناعة طويلة الأمد ضد الفيروس؟ هذا ما ستجيب عنه الأشهر القادم.