- المهدي يوسف كاجيجي
سبحان الذى جمعنا بغير ميعاد كما يقولون، لقاء ليبي ليبي، مكتمل التمثيل المناطقي “فزازنة” على “براقوة ” على “طرابلسية” ولظروف “الكرونة” لم تتصافح الأيدي ولكن تصافحت القلوب، وخلال لحظات تفاعلت التركيبات الكيماوية المتجانسة في عناصرها المختلفة في تسمياتها مثل ( الرشتة – مقطع ) و ( قديد – قرقوش )،كان الاجتماع على ارض غريبة، ولكن الوطن كان هو الحاضر. افتتح اللقاء ببكائية مشتركة على ليبيا المنكوبة بأهلها، فارتفعت الأصوات، وانتزعت الكمامات، واختفت المحذورات، واقتربت المقاعد ونسي الجميع قواعد السلامة من الفيروس اللعين امام الخطر الداهم الذي يجتاح الوطن.بالنسبة لي كانت المجموعة متجانسة متقاربة الأعمار ، ما عداي طبعا، فانا الوحيد منتهى الصلاحية، كانوا دبلوماسيين وخبراء نفط، من لم يقصَ منهم عن وظيفته تقاعد قرفا أو هروبًا بالرغم من حاجة الوطن لخبرتهم. كانت الأسئلة كثيرة متلاحقة يغلفها التفاؤل والتشاؤم عن الموقف الراهن، وهل تحدث المعجزة على يد الحاجة “ستيفاني” قبل رحيلها ؟ وهل تنجح وتتوحد الدولة واجهزتها ؟ أم ينجح محترفو اللعب في الوقت الضائع كالعادة فيدركها اليأس فتهرب بجلدها، محتفظة بما تبقى لها من عقل لاعنة اليوم الذى ساقها للعمل في هذا المكان واهله.احتقار السيادة الوطنيةطُرِحت اسئلة كثيرة، كان من اهمها سؤال من شقين: من يتصدر المشهد الليبي؟ – ومن يقود الحراك فيه فعلا ؟ والإجابة عن السؤال الاول وببساطة: هم من افرزتهم تجربة فبراير من العناصر التي ولدت من رحم انتخابات، كانت هي الاكثر ديمقراطية والأكثر نسبة مشاركة في تاريخ ليبيا، وعندما انتظرنا حصاد التجربة لممارسة الانتقال السلمي للسلطة، كشف اللاعبون المتربصون عن حقيقة نوياهم، وظهرت الوجوه القبيحة مكشرة عن انيابها، معبرة عن حقيقة نواياها. والنتيجة ؟ تحول الوطن إلى ساحات للقتال، تهدر فيه الدماء الليبية الطاهرة، وقُذفَ بأجيالنا الشابة – حلم الغد – إلى اتون حرب قذرة، لا ناقة لنا فيها ولا جمل. وتطور الأمر للاستعانة بالأجنبي كحليف ” للتمترس ” والاحتماء خلفه ففقدنا سلطة اتخاذ القرار، وتحولنا إلى دمى تحركها خيوط المصالح والاطماع من خارج الوطن، ودخلنا في اتون صرعات اقليمية ودولية، وخضنا حروبا اهلية نيابة عن الغير. وتطور الأمر الى ظهور الحليف الاجنبي في العلن متصدرًا المشهد معلنا نوياه بصفاقة في كلا جانبي الصراع وبلا استثناء، ممليا شروطه في مشهد مخزٍ فيه الكثير من الاهانة والاحتقار للسيادة الوطنية والكرامة الليبية.الانتحار الجماعيفي مقال سابق تحت عنوان ” ليبيا .. من أي رحم ولدنا ” تلقيت تعليقا من الصديق المهندس محمد ابراهيم القلالي يقول: [اخي استاذ المهدي قل ما شئت ،وذكِّر بمن شئت، وبرغم ان قولك حق وتذكيرك واجب ولكن اليس بصادق من قال: لقد أسمعت من ناديت حياً … ولكن لا حياة لمن تنادي …انني على ثقة بأن كلماتك قد اسمعت حتى من به صمم ، لكن العقول والقلوب قد ماتت وشلت عن الفهم والايمان بالوطن، وصار كل شيء عاطلاً مسلوباً ، واننا قد بدأنا مرحلة لم تحدث من قبل، وهي الانتحار الجماعي مع كامل الرضى واللامبالاة .. واعتقد ان الوقت قد حان لكل من بقي منا علي قدرٍ من الحكمة والمسئولية، أن يسجل اعتذارنا التاريخي للآباء والأجداد، وكذلك ما قد يبقي من اجيالنا القادمة حياً لكنه ليس سيداً فوق هذه الارض ، اعتذارنا عن قرارات الخيانة والمهانة والانتحار الجماعي التي لم يكن لنا فيها قرار ولا كان من مقدورنا مقاومتها ولم يكن هناك من يسمع اي من نصائحنا بل استغاثتنا لمنع شر وقع ومأساة حدثت.] وليرحمنا الله من أنفسنا، ومما هو قادم.
* الصورة: ليبيا الحصاد المر،بريشة الفنان الكبير محمد الزواوي،رحمه الله.