- أ / المهدي يوسف كاجيجي
الحاجة حرمنا المصونة، قررت بعد ما يقارب من نصف قرن، أن تغادر فراش الزوجية، وتنتقل للنوم فى غرفة اخرى. والسبب هو حالة الصياح والبكاء الذي ينتابني خلال النوم، والذي وصل الى درجة من العنف بالعراك والضرب بالأيادي، والصياح بالشتائم البذيئة. أحفادي أيضا تهاجمهم آلكوابيس ليلا. وظاهرة مرضى الاكتئاب فى ارتفاع ملحوظ ، والناس فى الشارع يكلمون أنفسهم. المتابع للتعليقات على صفحات التواصل يلاحظ استخدام الخطاب الصوفي والأدعية أو الشتائم البذيئة ، ناهيك عن ردود الفعل العصبية فى الشارع الليبي التى تستخدم فيها كل المعارك الكلامية والأيدي والأسلحة البيضاء والنارية ، حتى الثقيلة منها. صورة تنعكس عليها حالة من الجنون الجماعي تسيطر على شعب كامل.
النسيج الفريد
صورة المشهد الليبي من الخارج تبدو اكثر ظلمة ، أما نحن في الداخل وبحكم العادة أصبحنا مثل العاملين فى جمع القمامة ، وتنظيف شبكات المجارى. فقدنا حاسة الشم للروائح الكريهة ، واستطيبنا العيش بين القاذورات. وواصلنا التنازل حتى على ابسط الحقوق، وإستكنا إلى ذل الطوابير وانحدار المستوى المعيشى والاخلاقى والأمني، وتورطنا فى صراع مسلح، يواصل حصد ارواحنا، ويدمّر بيوتنا ، وكان سببا فى تشريد وتهجير أهلنا. لكن الكارثة الحقيقية هي مانحن مقبلين عليه من تدمير وتمزيق للتركيبة المتداخلة للنسيج الاجتماعي الليبي، وتركيبته الفريدة التى استطاع شعبنا الحفاظ عليها عبر كل الحقب والقرون ، منذ أن حفر التاريخ اسم ليبيا علي جغرافية العالم. فأنا من الجنوب، وزوجتى من طرابلس، وامها من بنغازي، وفي دائرتي الصغيرة اصهار من تاجوراء وطرابلس المدينة القديمة والظهرة والخمس وطبرق ونالوت. واذا انتقلنا إلى دوائر العلاقات العائلية والقبلية والمناطقية ، وما يترتب عنها من أقارب ومعارف وجيران وأصدقاء ، فانا اجزم أن لي فى كل نجع وقرية ومدينة على اتساع ليبيا المترامية الأطراف شخص يعرفني، وبيت يأويني .
الإعلام الخبيث
المشكل الأن: غاب الوطن، وفقدنا لغة الحوار فيما بيننا، وتمترسنا خلف الأجنبي ، واستنزفنا كل مدخراتنا فى تمويل حرب مصالح قذرة ، الصراع فيها على الغنائم. اهدر فيها الشقيق دم شقيقه. ارث عظيم من الكراهية ستتوارثه الأجيال المتلاحقة، لسنوات طويلة طويلة. إضافة إلى حرب إعلامية ، رصدت لها كل الإمكانيات المالية والتقنية ، لتتحول إلى فوضى مجنونة على مدار الساعة ، مقتحمة بيوتنا ، تطل علينا كرؤوس الافاعى ، تبث فحيحها وسمومها ، لتحفر أخاديد من الكراهية والشك وعدم الثقة فى النفوس. هذا بهدف تدمير وتمزيق ذلك النسيج الذى حافظ على وحدة وتماسك هذا الوطن عبر أحقاب طويلة من التاريخ واحتفظ باسم ليبيا رغم كل شئ.
تحسسوا رؤوسكم
الأن الصورة الليبية تبدوا كمشهداً عبثياً لوطن يعيش حالة من الانتحار الجماعى، يتقاتل أهله تحت علم واحد. مشهد وصفته الصحفية الليبية سليمة بن نزهه، رئيسة تحرير جريدة ” فاسانيا ” على صفحتها بقولها: [ ومن المفارقات التي لا تحدث إلا في ليبيا أن ينعى القاتل المقتول ويستقبل التعازي فيه، لأنه من أبناء عمومته ] . بينما يتندر العائدون من تونس، عن المستشفي الذي خصص طابقا لكل فريق من جرحى المعارك الأخيرة. الطريف فى الأمر ان اهالى الجرحى من الجانبين المتصارعين علي تواصل يومي لتبادل التحية والسلام والأخبار والأوضاع الصحية لمرضاهم بين ذهول اخوتنا التوانسة الذين يعلقون بقولهم: [ عجب !!!! وتحب تفهم تدوخ ]. أيها السادة تحسسوا رؤوسكم وليرحمنا ويرحمكم الله.