أظهر تقرير حديث لمجموعة البنك الدولي إن ارتفاع الإنتاج النفطي في ليبيا وزيادة مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أثر سلبا بشكل واضح على أسعار النفط عالميا، إذ تراجعت من 53 دولار للبرميل في الربع الأول من العام 2017 إلى 50 دولار للبرميل خلال شهر مايو الماضي.
لكن تقرير البنك الدولي لشهر يونيو الجاري، أوضح أيضا أن استمرار اضطرابات الإنتاج النفطي في ليبيا والعراق وغيرها من الدول المنتجة، بسبب الأوضاع السياسية الراهنة، قد يساهم في رفع الأسعار بشكل موقت خلال العام 2017 و2018.
وتوقع التقرير الذي حمل عنوان «آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2017» أن تصل أسعار النفط إلى 53 دولار للبرميل في 2017، بارتفاع قيمته 24% مقارنة بالعام 2016. على أن ترتفع إلى 56 دولار للبرميل خلال 2018. وتوقع زيادة الاستهلاك العالمي للنفط بمعدل 1.4% خلال 2017 – 2018.
وتحدث التقرير عن آفاق النمو الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن استمرار تأثير الأزمات السياسية والأمنية بشكل مباشر على النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ توقع تقرير مجموعة البنك الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2017 تراجع نمو اقتصادات المنطقة من 3.2 % خلال 2016 إلى 2.1 % خلال العام الجاري.
كما توقع تراجع معدلات النمو إلى 2.1 % خلال العام الجاري، لكنه لفت أيضًا إلى إمكانية حدوث تعافٍ محدود خلال 2018 على أن تصل معدلات النمو إلى 3.1 % بحلول العام 2019، رغم استمرار إجراءات ضبط الأوضاع المالية في الدول المصدرة والمستوردة للنفط.
اتفاق «أوبك» لتخفيض الإنتاج يؤثر سلبًا على معدلات نمو دول مجلس التعاون الخليجي
تكلفة الإرهاب
وحذر التقرير من أن تفاقم الصراعات الإقليمية على نطاق أوسع يهز ثقة المستثمرين، لافتًا إلى أن دول المنطقة تدفع ثمنًا باهظًا للإرهاب. ويعد القطاع السياحي المصدر الأول للعائدات المالية لكثير من مستوردي النفط، ومن أهم القطاعات المتأثرة سلبًا بالإرهاب. ونتيجة للعمليات الإرهابية المتكررة بالمنطقة أصبح قطاع السياحة ضعيفًا، لكنه شهد استقرارًا نسبيًا في مصر والمغرب.
تكلفة الإرهاب في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وقال التقرير إن جهود نشر السياحة من خلال المبادرات الثانئية، مثل تلك التي أبرمتها المغرب مع الصين العام 2016، قد تساعد في التكيف مع المخاطر السياسية. وركز على اتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» لتخفيض سقف الإنتاج الكلي، وقال إن الاتفاق سيؤثر سلبًا بالتأكيد على معدلات النمو خلال 2017، خاصة معدلات نمو دول مجلس التعاون الخليجي، مع تباطؤ النمو في السعودية والعراق نتيجة الاتفاق.
توقعات بهبوط معدلات النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.1 % خلال 2017
وهبط الإنتاج النفطي خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، نتيجة اتفاق «أوبك» المُبرم نوفمبر الماضي. وتراجع الإنتاج في البلدان الخمسة الأكبر إنتاجًا للنفط (العراق وإيران والكويت والسعودية والإمارات) بقيمة مليون برميل يوميًا. الجدير بالذكر أن ليبيا ونيجيريا مستثنيتان من اتفاق خفض الإنتاج الكلي بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها البلدان.
وقارن التقرير بين معدلات النمو في دول المستوردة والمصدرة للنفط، وقال إن البلدان المستوردة للنفط اكتسبت بعض الزخم خلال 2016، متوقعًا أن تشهد معدلات نمو أكبر من البلدان المصدرة للنفط، مع تحسن معدلات التنافسية والإصلاحات الاقتصادية الجاري تطبيقها وتحسن الظروف الزراعية.
أسعار النفط ومخزون الخام الأميركي
وشهدت مصر، أكبر مستوردي النفط تحسنًا في الصادرات والإنتاج الصناعي في بداية العام 2017، إذ تبنت الحكومة سعر صرف مرنًا منذ نوفمبر 2016. وتوقع التقرير أن يبلغ معدل النمو 4 % خلال 2017، على أن يشهد مزيد التحسن خلال العامين المقبلين.
وفيما يخص إجمالي الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توقع التقرير تراجع إجمالي الناتج المحلي إلى 2.1 % خلال العام 2017 من 3.2 % خلال العام 2016، على أن يرتفع بنسبة ضئيلة خلال 2018 إلى 2.9 %.
وشهدت معدلات التضخم زيادة في معظم بلدان المنطقة. ففي مصر تخطت معدلات التضخم 30 % في مارس 2017 بسبب انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وارتفعت أيضًا معدلات التضخم في الجزائر وإيران في مارس 2017 مع ارتفاع أسعار الغذاء. ولفت التقرير إلى استثناء ليبيا وسورية واليمن من التوقعات السابقة بسبب نقص البيانات المتوفرة نتيجة الأوضاع الجارية. أما بالنسبة للقطاعات غير النفطية في البلدان المصدرة للنفط بالمنطقة فتوقع التقرير تعافيًا متواضعًا خلال 2017 مع تحسن العائدات النفطية نتيجة لارتفاع طفيف في أسعار النفط.
التطورات الأخيرة
وقال تقرير البنك الدولي إن انهيار أسعار النفط عالميًا أثر على معدلات النمو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ استقرت عند 3.2 % خلال 2016، وجاء التأثير أكبر على الدول المصدرة للنفط.
وتراجعت معدلات النمو في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب تراجع أسعار النفط عالميًا، وإجراءات ضبط الأوضاع المالية التي طبقتها تلك الدول مؤخرًا. وتزامن ذلك مع نمو أكبر من المتوقع في البلدان المصدرة للنفط من خارج دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب ارتفاع الإنتاج النفطي من إيران وتحسن الأوضاع الأمنية نسبيًا في العراق.
مخاطر محلية
توقعات بهبوط معدلات النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.1 % خلال 2017
وأشار إلى أن نمو الاقتصاد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجه ثلاثة مخاطر أساسية، أولها الصراعات السياسية، إذ لفت التقرير إلى الاضطرابات السياسية في المنطقة وبشكل خاص في العراق وسورية.
وقال إن استمرار الصراع في المنطقة دمر رؤوس الأموال، وتسبب في حركة نزوح واسعة للسكان وحدوث مجاعات، مثلما الحال في اليمن. وأثرت الصراعات الإقليمية على الصناعات الهيدروكربونية، وأدت إلى تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين والحد من تدفق الاستثمار الخارجي.
وحذر التقرير من أن تفاقم الصراعات الإقليمية على نطاق أوسع يهز ثقة المستثمرين، لافتًا إلى أن دول المنطقة تدفع ثمنًا باهظًا للإرهاب. ويعد القطاع السياحي المصدر الأول للعائدات المالية لكثير من مستوردي النفط، ومن أهم القطاعات المتأثرة سلبًا بالإرهاب.
ويتمثل الخطر الثاني في ارتفاع أقل من المتوقع في أسعار النفط عالميًا، إذ قال التقرير إن ارتفاع الأسعار بمستويات أقل من المتوقعة سيقضي على الحيز المالي لدى البلدان المصدرة للنفط.
ولفت التقرير إلى عدة عوامل تحول دون ارتفاع أسعار النفط، مثل الإنتاج النفطي الأميركي ومخزونات الخام لدى دول منظمة «أوبك». وكانت أسعار النفط شهدت تراجعًا حادًا إلى 51 دولارًا للبرميل من 55 دولارًا في مارس الماضي بسبب ارتفاع مخزونات الخام الأميركي، ولم تتراجع المخزونات الأميركية كما كان متوقعًا في أبريل.
البنك الدولي يتوقع ثبات أسعار النفط عند مستوى 53 دولارًا للبرميل وأن تصل إلى 56 دولارًا خلال 2018
وتخوف البنك الدولي أيضًا من ضعف امتثال دول «أوبك» لاتفاق خفض الإنتاج الكلي، إذ قد يؤدي ضعف أسعار النفط إلى تدهور التوازن المالي، وقد يتسبب ذلك في مزيد الضغوط على القطاعات غير النفطية.
وتمثل التهديد الثالث في التحديات السياسية والاجتماعية التي تعيق دون تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الأساسية في المجالات الاقتصادية.
الاقتصاد العالمي
وفيما يخص النمو الاقتصادي العالمي قال التقرير إن نمو الاقتصاد العالمي جاء ثابتًا مع تحسن النشاط الصناعي وانتعاش التجارة العالمية عقب عامين من ضعف ملحوظ، مما يسهم في تحسين الثقة بالاقتصاد الدولي.
ونتيجة لذلك ورغم عدم وضوح السياسيات العامة توقع التقرير تسارع النمو العالمي إلى 2.7 % خلال العام 2017 من 2.4 % خلال العام 2016، على أن يرتفع إلى 2.9 % خلال 2018-2019.
ومن المتوقع زيادة نشاط الاقتصادات المتقدمة خلال العام 2017، مدعومًا بتقدم في الولايات المتحدة. وفيما يخص دول أوروبا واليابان ارتفعت توقعات النمو مما يعزز الطلب المحلي والصادرات. ومن المتوقع أن تصل معدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة إلى 1.9 % خلال العام 2017. وبشأن الدول النامية والأسواق الناشئة توقع التقرير أن تتلاشى المعوقات أمام نمو صادرات السلع الأساسية بشكل تدريجي، على أن يظل نشاط مستوردي السلع الأساسية قويًا بشكل عام.