- صافيناز المحجوب / درنة
هَلْ فَكّرْتَ يَوْماً أنْ تَعِيشَ دَوْرَ مَنْ يُعَانِي مِنَ الزّهَايْمَرِ وأن لا تنظر لهذا المرض نظرة سلبية ، وإنما إلى الجانب الإيجابي من الموضوع . أن تنسى الأشخاص وأن تنسى مواقف في حياتك كم تمنيت أن أستطيع ، أن أمحو من ذاكرتي بعض المشاهد التي طالما أرّقت نومي وكانت أشبه بالمرض الكلوي تنغص عليّ حياتي كلما استجلبت أو ظهر ما يستدعيها ، فأعيش ألمها مرة ثانية . هل أقول لكم إني أحسد مريض الزهايمر في كثير من الأحيان ! لا أخفيكم سراً نعم ، ربما الحياة لم يخلق فيها لنعيش حياة من دخلوا الجنان وأنها دار تعب وشقاء وعناء ودار اختبار وامتحان كل هذا الكلام لا جدال ولا نقاش فيه فالضغوط المتزايدة يوماً بعد يوم وحالة البؤس التي نعيشها في ليبيا ترينا فصول المأساة متجسدة على مسرح ليبيا الكبير لتجد نفسك تماما مثل من يعاني الشلل الرباعي ، لا تقوى على فعل شيء حتى لنفسك ، هذا ما شعرت به منذ اندلاع هذه الثورة الحمقاء ترى النار تأكل الأخضر واليابس وتسفك الدماء ، ترسم صورة الدمار بدقة ويتجسد معنى الخراب وأنت كمواطن لا حول لك ولا قوة . قررت الذهاب إلى شاطىء البحر لعلي أجد نفسي الهاربة من واقع لا أستسيغه فمشيت وكم تمنيت أن ألقي بهذا الجسد المتعب بين موجات البحر الطاهر لعله يذيب سنوات من الحزن وعدم الرضا وجلست قبالة الشاطىء أحاكيه وأشاكيه وإذا بامرأة ثلاثينية تجلس بقربي تحتضن طفلة رضيعة ، ربما لم تكمل سنتها الأولى بعد ثم تركتها على الرمال فنامت الطفلة على بطنها ، وهنا كانت اللقطة مؤلمة حتى الوجع ، ذكرتني بجسد ذاك الطفل الذي غرق ووجد على الشواطىء التركية خرجت الآه دونما وعي ، آه بحجم الكون بحجم الصمت القابع في داخلي وعاد الشريط يعرض تلك المأساة ورأيت تلك الأم ومركبهم يغرق وكأني أراها تحتضن أطفالنا ، ربما اثنين وربما ثلاثة والمياه تكشر عن أنيابها تنتزع منهم الحياة ورأيتها تصارع الموت ويصارعها فينتزع روحها ، بعد أن مات طفلها يا الله يوم القيامة كم من الرقاب ستعاقب لأجل ذاك الصغير وكم من المسؤولين مسؤولون عن أرواح أولئك البشر ، مازلت على شاطىء البحر ، الدموع تغالبني ، الذاكرة تلهبني بسياطها قررت الرحيل ، فتحت هاتفي صديقتي على موقع التواصل الاجتماعي تضع صورة الطفل ، تقول لي مساء السعادة ، لم أمهلها قلت لها بلهجة لم تعتدها ، احذفي صورة الطفل ، قالت أي طفل ، قلت لها ، صورة الطفل الغارق ، صورة الطفل الذي يجسد خذلالنا نحن البشر لبعضنا البعض ، صورة الطفل الذي يثبت أن الشر في داخلنا مثل كائن عملاق ينمو ويكبر كل يوم ، صورة الطفل الذي يقول لنا كم نحن قساة ، كم نحن لا نستحق حتى الحياة ، ألسنا في زمن الخذلان يا صديقتي صمتت صديقتي واختفت وربما فضلت الصمت لأنها لا تجد ما تطفىء به البراكين المتأججة بداخلي ولكن ما يجعلني فعلا أرتاح أن هؤلاء الجناة سيشربون من كأس الموت يوماً وستلاحقهم الدعوات بالخسران وسيعاقبهم الله في الدنيا والآخرة وسيمسك برقابهم كل من مات زورا ، أنا شخصياً لن أسامحهم على عذابي المتواصل وصراعي مع ذاكرتي التي عاندتني ورفضت مسح صورة الطفل الغريق وحسبنا الله ونعم الوكيل.