بقلم :: علي ضوء الشريف
قبل الحديث عن الحاجة والمصلحة في إقامة مصفاة للبترول في الجنوب الليبي فإن الأمر يلزم عرض توضيحي بسيط عن الصناعة البترولية ؛ والتي يقصد منها مجموعة من العمليات تهدف لاستثمار الثروة البترولية الموجودة في باطن الأرض ، حيث تبدأ هذه العمليات بالتنقيب ثم الحفر والاستخراج فالتكرير الذي يترتب عليه تفتيت المادة البترولية الخام إلى مجموعة مواد هي أصل تكوين هذا البترول الخام ؛ وتسمى هذه المواد بمشتقات النفط أو البترول ، وتدير هذه العمليات في ليبيا المؤسسة الوطنية للنفط التي حلت محل المؤسسة الليبية العامة للبترول بموجب القانون رقم 24 لسنة 1970 م ، وقد عملت هذه المؤسسة على النهوض بالقطاع النفطي ؛ فأنشئت العديد من الشركات النفطية مختلفة المهام ، منها ما هي مختصة بالبحث والتنقيب ومنها ما هي مختصة بالاستخراج والنقل ، ومنها ما هي مختصة بالتكرير ؛ وهذه الأخيرة ( التكرير ) لها أهمية خاصة من حيث آثارها الايجابية على المجتمع بشكل عام والمكان الذي أقيمت فيه بشكل خاص ، فهي ذات بعد اقتصادي هام سنعرج عليه لاحقاً ، وقد عملت الدولة على انشاء عدد خمس مصافي محلية لتكرير النفط موزعة على الشريط الساحلي للدولة ، وبقدر إحسان الدولة وإصابتها في انشاء هذه المصافي بقدر اساءتها في عدالة التوزيع ، حيث كان من المفترض أن يحظى الجنوب الليبي بمصفاة للنفط ، وذلك لعدة اعتبارات :
أولها : التخفيف من تكاليف النقل ، وكما هو معلوم أن الجنوب الليبي هو أحد المصادر الهامة في امداد الدولة بهذا المعدن ، فهو ( الجنوب ) يُـصَـدِّرُ أكثرَ من ثلث انتاج ليبيا من النفط ، حيث تقدر الحصة الانتاجية للجنوب بـ 600 ألف برميل يومياً من اجمالي ما تنتجه ليبيا والمقدر بـ ( مليون وستمائة ألف برميل ) ، أي ما يعادل 37,5% ، وليس من المنطق أن يُنقل هذا المعدن من مصادره في الجنوب نحو الشمال للتكرير ؛ حيث المصافي ، ثم يعاد مكرراً في شاحنات النقل الخاصة ، فهذا الأمر مكلف ، حيث نجد قيمة النقل من الساحل للجنوب تتراوح ما بين 1250 د ل و 1600 د ل ؛ حسب المسافة من مصافي التكرير إلى الوجهة المطلوبة ، وإذا كان استهلاك الجنوب من مشتقات البترول خاصة البنزين والنافثا يقدر بحوالي مليون ونصف المليون برميل سنويا على أقل التقديرات ، فان تكلفة النقل ستكون بمقدار أربعة مليون دينار ونصف تقريباً ، والمعادلة الحسابية لهذه النتيجة هي كالتالي :
استهلاك الجنوب من البنزين يومياً 10 شاحنات ، ما يعادل ( أربعمائة ألف لتر ) ، وبضرب قيمة الاستهلاك اليومي في عدد أيام السنة تخرج نتيجة الاستهلاك السنوي للجنوب من النفط والمقدرة بـ ( 146 مليون لتر ) ، ولمعرفة عدد الشاحنات التي ستنقل قيمة الاستهلاك السنوي من النفط للجنوب يلزمنا اجراء المعادلة الحسابية التالية ( قيمة الاستهلاك السنوي ÷ قيمة حمولة كل شاحنة = اجمالي عدد شاحنات النقل ) ( 146 مليون لتر ÷ 40 ألف = 3650 ) ، وبعد أن عرفنا عدد الشاحنات التي تنقل اجمالي استهلاك الجنوب من النفط سنوياً أصبحنا قادرين على معرفة كلفة النقل سنويا وذلك من خلال المعادلة التالية ( عدد الشاحنات سنويا × قيمة النقل = الكلفة المالية للنقل سنوياً ) ( 3650 × 1250 د ل = 4 مليون ونصف سنوياً على أقل التقديرات ) ، وباستحداث مصفاة للنفط في الجنوب نستطيع تجنيب الخزينة العامة هذا القدر من الانفاق غير المبرر .
ثانيها : إن انشاء مصفاة للنفط في الجنوب خطوة ضرورية من حيث تأمين استمرار امدادات الجنوب من جميع مشتقات النفط وعلى رأسها البنزين والنافثا حال الظروف الاستثنائية التي قد تتعرض لها الدولة كالحروب والكوارث وغيرها .
ثالثها : إن انشاء مصفاة للنفط في الجنوب سيحرك عجلة التنمية ؛ خاصةً في المجال الصناعي الذي سينفتح أفق الاستثمار فيه بشكل واسع وكبير ، وهذه الجزئية مرتبطة بمشتقات النفط المتعددة والتي باتت مواداً أساسية داخلة في العديد من الصناعات كـ :
1 / غازي الميثان والايثان إحدى أهم مركبات الغاز الطبيعي واللذين يستخدمان في صناعة الحديد الاسفنجي والزجاج والألمنيوم والفخار والاسمنت .
2 / الإيثر البترولي والذي يستخدم كمذيب لكثير من المنتجات الكيميائية والدهانات والمواد اللاصقة وغيرها .
3 / النافثا والتي تستخدم :
أ – إذا ما كانت خفيفية في إنتاج الاولفينات ( الاثيلين , البروبلين , البوتادايين ) أو الجازولين .
ب ـ إذا ما كانت ثقيلة في انتاج المركبات الاروماتية والتي إذا ما فصلت ستتحول إلى ( بنزين , تولوين , بارازايلين , ميتازايلين , اورثوزايلين ) , أو المذيبات البترولية .
4 / الكيروسين والذي يستخدم كوقود بترولي للتسخين والإضاءة ولأغراض التدفئة ؛ كما يستعمل كوقود للمحركات الفضائية وكمذيب للدهانات والورنيق ( الورنيش ) ويستخدم في المبيدات الحشرية وفي صناعة الأدوية الزراعية ويستعمل في مجال الحفاظ سلامة البيئة من القوارض وكذلك في تعبيد الطرقات إلخ … .
5 / زيت الغاز ( السولار ) والذي يعد مادة أساسية في صناعة مادة البنزين ، ويستخدم أيضا في توليد الحرارة والكهرباء للمصانع التي تعتمد على المكائن ذات السرعة العالية .
6 / زيت الوقود الثقيل ( المازوت ) والذي يعد مصدراً للعديد من المواد الصناعية ؛ ولعل من أبرزها مادة الاسفلت والتي تستخدم في عدة أغراض من أهمها سفلتة الطرق وتثبيت التربة وإنتاج المواد العازلة للمياه .
7 / الكبريت والذي يستخدم في العديد من الصناعات البتروكيماوية والتي تعد العمود الفقري للصناعات النفطية كون معظم المشتقات النفطية هي خامات اساسية للمواد البتروكيمياوية ، وهذا يعد مجالا واسعا بلا حدود لتعزيز الطاقة وللاستفادة منها في عملية التنمية ، ولعل من أبرز هذه الصناعات هي الأسمدة والمبيدات الحشرية للآفات الزراعية والمنظفات والوقود الصناعي وزيوت التشحيم وأعواد الثقاب والبارود والمطاط .
إن تحقيق هذا المشروع سيعود بالنفع الكبير على سكان الجنوب خصوصاً والدولة عموماً ، حيث سيساهم في تقليل نسب البطالة ؛ ليس بسبب فرص العمل في المصفاة فقط ، بل نظراً لحجم المشروعات الصغرى والكبرى التي ستنهض بمجرد إحداث هذا المشروع ، والجنوب كما يملك المشتقات البترولية الداخلة في العديد من الصناعات فإنه أيضاً يملك البيئة الصناعية الحاضنة والمشجعة للاستثمار الصناعي ، والعديد من المؤشرات تؤكد ذلك .
كما أن هذا التطور والذي نأمل أن يتحقق بأسرع ما يمكن ستكون له انعكاسات ايجابية كبيرة على الخزانة العامة إذا ما كان إطار تفكير الدولة في الاستفادة من هذا المشروع متخطي للحدود الجغرافية ، وهذا الأمر يحتاج إلى عقلية اقتصادية حريصة على ايجاد تنوع في مواطن الاستهلاك ، والدول الأفريقية تعد سوقاً استهلاكياً جيداً ؛ خاصةً إذا ما اقْـتَـرَنَ نُشوء هذا المشروع بطفرة تنموية لهذه الدول .
في النهاية أوجه هذه الدعوة إلى كافة المسئولين والمختصين في الجنوب الليبي من نواب برلمان وأعضاء حكومة وعمداء بلديات وأعضاء إدارة الحكم المحلي ومدرآء مكاتب الاقتصاد وعميد جامعة سبها وعمداء كليات كلا من الاقتصاد والهندسة ، كما أوجه هذه الدعوة لمجلس النواب والمؤسسة الوطنية للنفط ؛ للنظر في هذا المقترح ووضعه موضع التنفيذ ، فالجدوى من هذا المشروع كبيرة إذا ما تحقق واستثمر بالصورة المطلوبة ، حفظ الله ليبيا وأهلها .