بقلم :: عمر عبدالدائم
الجنوب مُهمَل .. هذه حقيقةٌ لا يمكن إخفاؤها ، كان مُهملاً في ظلّ النظام السابق ، وهو مُهملٌ في ظلّ “النظام الحالي” ، و سيكون مُهملاً إلى الأبد مالم تحدث المُعجزة ، لكن السؤال المطروح من أهمل الجنوب ، وماهي المعجزة التي ستُنقذه ؟
سأحاول الإجابة ..
الجنوب كان مُهملاً طيلة العقود الماضية ، النّظام السابق أهمل الجنوب كُليّةً برغم كل ما قيل بعكس ذلك ، أهمله إنساناً و بُنىً ، فبمجرد أن نعقد مقارنة بسيطة بمثيلاتها في الشمال (الشرق أوالغرب ) يتضح لنا مدى التأخر الذي تُعانيه الإدارة الجنوبية والجهات التنفيذية بشكل عام نتيجةً لإرتهانها للمركزية المميته ، والتبعية اللامُبرّرة للعاصمة حتى في أبسط الأمور والخدمات التي يطلبها المواطن . ناهيك عن شُحّ المشروعات والصيانات والإنشاءات فيما يخص البنية التحتية من طرق وإسكان و مرافق عامة ، على أن أكبر إهمال طال الجنوب في العهد الماضي هو إهمال الإنسان الذي كان ـ ولا يزال ـ مواطناً من الدرجة الثالثة حتى عندما يُذكر على سبيل المثال لا يُذكر إلا وهو (ثالث ثلاثة) ، وعلى الرّغم من وجود مجموعة كبيرة من اعضاء الصف الأول في النظام السابق من الجنوب ( وهذه أيضاً حقيقة لا يمكن إنكارها) ، إلاّ أنّ اؤلئك المتنفّذون لم يولوا هذا الجنوب البائس أيّ اهتمام من ناحية التنمية البشرية ، الشباب وتعليمهم ، وبناء الكوادر من أبناء الجنوب ، بل على العكس من ذلك كانت “مجهوداتهم” غالباً ما تطير شرقاً أو غرباً ، في محاولات على ما يبدو لتزيين صورهم هناك ، ولقطع الصلة بما يربطهم بهذه الرقعة الجغرافية البائسة ، فلا مجال للمقارنة بما تحقّق من تنمية ـ مهما اشتكى البعض من التهميش ـ بما ناله الجنوب من إهمال مقصود .
اليوم .. وفي ظلّ الوضع المُعاش نجد الصورة لم تتغير ، بل ربما ازدادت قتامةً و سوءاً ، فمن جهة نرى (اخوتنا ) الشماليين لا يرون في الجنوب غير مصدر للنفط والماء في أحسن الأحوال ، هذا إن لم يعتبروه مصدراً لعدم استقرار البلاد ، ومأوىً لغير المرغوبين ، ناهيك عن المحسوبية المشينة التي نراها اليوم أكثر مما كانت عليه قبلاً .
الجنوب اليوم يعيش حالة إقصاء غير عادية ، وكأنه لا يمثّل جزءاً مهماً من النسيج الإجتماعي الليبي ، والرقعة الجغرافية للبلاد ، والإنسان الجنوبي ـ كعادته ـ يقف في آخر الطابور منتظراً اللحظة التي يرأف بها عليه ، ويُعطى النزر اليسير من حقّه في المواطنة .
على أنّ الذي أهمل الجنوب وساهم فعليّاً في إقصائه وأوصله إلى ما وصل إليه هم أهل الجنوب أنفسهم … نعم أهل الجنوب هم من أوصله لهذه الحالة البائسة ، هذا التشرذم الذي يُقطّع أوصاله ، وهذه الفُرقة التي لا تخدم الجنوب ولا أهله ، وهذا العيش في العالم الإفتراضي الذي رُسِمَ لهم منذ عقود ، والذي لم يستطع ـ للأسف ـ معظم أهل الجنوب تجاوزه والخروج منه ، وهذه الأنانيّة وحُب السيطرة من هذا الطرف أو ذاك ، و سلبيّة المثقفين و المتعلمين ، واللامبالاة من قِبل المسؤولين ، وعدم إيصال الصوت جهورياً للحكومة ، كلّ هذه الأمور جعلت الجنوبيين هم من يقتلون جُنوبهم .
ومالم يتخلّص أهل الجنوب من عُقَدِهم هذه ، وينبدون خلافاتهم العقيمة ، ويتجهون بقلب رجلٍ واحد نحو بناء أنفسهم وإثبات وجودهم لنيل حقوقهم بلا مِنّةٍ من أحد ولا جميل ، وهذه هي المُعجزة التي تحدثتُ عنها في البداية ، وقلتُ أنها مالم تحدث فلن يتخلّص الجنوب من هذا الإهمال والذي أصبح في حكم القدر المقدور ،
أخيراً أقول .. في كل الأحوال ، كما أنّ وضع ليبيا لن يستقيم بدون مصالحة وطنية حقيقية ، وعودة النّازحين إلى مدنهم وقراهم ومساكنهم ، فإنّ وضع الجنوب لن يستقيم وحاله لن يصلح دون أن يدرك أهل الجنوب اهميّة ان يتعايشوا سلميا فيما بينهم و يكونوا يداً واحدة ، و قلباً واحِداً ..
والله المُستعان
(هذا مقال نُشِرَ في صحيفة فسانيا عام 2014 )