محمود السوكني
يستفزني حديث الصهاينة عن طبيعة وجودهم على الأراضي الفلسطينية ، يتحدثون عنها وكأنها ميراث الأجداد ، يتصرفون بشأنها بمنتهى الأريحية حتى أنهم لا يسمحون لأحد أن يجادلهم في (حقهم) هذا !
الأمرُّ من ذلك أن الجميع يعاملهم بنفس المنطق حتى جيرانهم العرب الذين رحب بعضهم بوجودهم كدولة صديقة لها تمثيلها الدبلوماسي وعلاقات محكومة بمواثيق ومعاهدات وتبادل تجاري وحتى أمني ، وزيارات ، ولقاءات ، ومنافع مشتركة ، هكذا دون حياء وبلا خجل ولا إستحياء .
وتأسيساً على ذلك ، فإن تقييم (الأشقاء) لحرب الإبادة التي يخوضها جيش الإحتلال ضد الفلسطينيين الأبرياء ليس سوى شأن داخلي لدولة صديقة تمارس حقها في إستتباب الأمن داخل حدودها ! قد تكون الممارسة مبالغ فيها بعض الشي مما يستوجب الزعل وإبداء الإستنكار الغير ضار بالمصالح المشتركة ، هكذا.. ليس أكثر ! أما ماعدا ذلك ، ف(الأشقاء) ليسوا في وارد البحث فيه ولا الحديث عنه .
هذه المغالطة التاريخية التي إنطلت على العالم بأسره -بحكم الزمن ربما- بدأت تنتشر كالمار في الهشيم في عالمنا العربي وكذلك الإسلامي كحقيقة دامغة وهنا تكمن المأساة ، فقد أصبح الإسم القميء للكيان المصطنع (إسرائيل) هو الإسم المعتمد لدى الجميع حكاماً ومحكومين ، وحتى قطعة الأرض المحصورة التي منحت للمتخاذلين في أوسلو ، إستعادها الإحتلال بالكامل ولم يعد يبالي بسلطتها المهترئة . سقطت أوسلو ، وسقط أتباعها الواحد تلو الأخر ، ولم تعد للسلطة أية أهمية للمغتصب الذي إستطاع بدهائه أن يستخدمها لبعض الوقت ويلقي بها بعد أن إنتهت مهمتها !
خلال ستة وسبعون عاماً تم تهجير مئات الألاف من الفلسطينيين من أراضيهم التي سلبت منهم عنوة بمساعدة دول الغرب وعمالة الخونة ، ففي عام النكبة وحدها هُجِّر مايزيد عن ثمانمائة ألف من أصل مليون وأربعمائة الف فلسطيني .
حل الدولتين الذي يتشدق به الغرب ويعتبرونه منّه يهبونها بعنجهية لشعب منكوب ، ليس جديداً ، فقد سبق أن صدر القرار الدولي رقم 181 في 1947/11/29 بتقسيم فلسطين إلى دولتين وهو ما لم يصمد في وجه التعنت الصهيوني والطمع اليهودي الذي لم يجد من يقاومه ، بل وجد -مع الزمن- من يرحب به ويساعده على الإنتشار والتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن تم على حساب الأراضي المجاورة مادامت العزائم خائرة والعمالة تزداد توسعاً .