للتاريخ وللحقيقة وللإنصاف، وتوضيحاً للإخوة الذين يشككون في العملية العسكرية الفدائية البطولية لتحرير ســرت من احتلال الدواعش الإرهابييين، أقول عن معلوماتٍ وتحليلٍ ويقين :- إن ترك ســرت تقع في قبضة التنظيم الإرهابي {الناعم} المسمى أنصار الشريعة، والذي سلمها للتنظيم الإرهابي الشرس داعش، هو فعلٌ مُتعمد أقدم عليه المؤتمر الوطني السابق جناح نوري بوسهمين المتطرف، وحكومة الإنقاذ غير الشرعية المنبثقة عنه برئاسة خليفة الغويل، بتأويلٍ وتشجيع وإفتاءٍ ورعاية من اليمين الديني المتطرف القابع في طرابلس والتابع في مصراتة، والخاضع لدول خارجية تقوم بدور العرّاب المخابراتي والسياسي والإعلامي والمالي للتطرف، بغرض استخدامه في فتح الطريق وتمهيد السبل لسيطرة الإسلام السياسي على السلطة بكثير من الخداع وقليل من الإقناع، وبجعلهم أخف الضررين أو افضل خيار بين سيئين تطرف داعش الفظ واعتدال الإخوان المراوغ.
إنهم يراهنون على ذاكرة القطيع التي تنسى بأسرع مما تعرف، ولا تدرك غير ماتراه الأبصار لا ما تحيطه البصائر، ويراهنون دائماً على انشغالنا بضجيج الراهن عن استذكار وقائع الأمس القريب، لننسى كيف تم تسليم ســرت يداً بيد إلى التطرف، يوم تمت سرقة إرسالية مصرف لـــيـبـيـــا المركزي الضخمة من العملات المحلية والصعبة {والتي هي ذاتها محل شك يطال محافظ مصرف لــيـبـيــا المركزي آنذاك شخصياً ويوجب مساءلته لتبرئته أو لاتهامه}، حيث لا تستطيع مصارف ســرت استيعاب كل تلك الكمية من الدولار واليورو، كما يُوجب توجيه الاتهام القضائي المباشر إلى عضو المؤتمر المتطرف محمد بوسدرة عن دوره المعلن في ممارسة عملية كذب وتمويه وخداع غطت يومها على الجريمة، ثم يوم هاجمت بعض كتائب مصراتة المحسوبة على المؤتمر وحكومته مدينة ســرت، بدعوى منع حفتر وحليفه يومها جظران من السيطرة عليها، وكيف تم تدمير كتيبة بوحليقة {التي وللأمانة وللتاريخ كانت تتعايش في سرت بسلام ناتج عن حسن نية ممزوج بالغباء مع تنظيم أنصار الشريعة النواة لداعش}، وكيف تمت تعبئة سكان ســرت ضد مصراتة قبل تلك الأحداث، وكيف تُركت الكتيبة الباسلة 166 وحدها دون دعم ولا إسناد حتى من كتائب مصراتة غير المؤدلجة، التي لو أدركت يومها حقيقة المخطط -وأنا كنت أحد الذين نبهوا إليه- وسارعت إلى دعم الكتيبة، لما وجدت نفسها اليوم مضطرة إلى دفع كل هذا الثمن لاستئصال الورم بعد أن تغول واستفحل، ولكن قدّر الله وما شاء فعل ولا اعتراض على قضائه وقدره سبحانه.
يومها وتحديداً في شتاء 2014 كانت قوى التطرف السياسي والميليشياوي التي سيطرت على العاصمة ترى {ولا زالت} أن المعركة الحقيقية في بنغازي والوطية، وأن ســرت لا خوف عليها في وجود أنصار الشريعة، التي كان يبرر وجودها ويدافع عنها المتطرف عمر الحاسي، وآخرون من أصحاب سوابق الإرهاب، وكان نوري بوسهمين قد أصدر قراره السيء بإطلاق عملية أسماها {الشروق} لتحرير الموانيء والحقول النفطية كما زعموا، وهي عملية باءت بالفشل، وتركت آثاراً سلبية تخريبية على نسيج الوطن ووحدته، قامت بها للأسف كتائب من مصراتة، وواجها حرس إبراهيم جظران النفطي الذي أصبح اليوم وفي مفارقة ليست غريبة عن هواة التقلب والدوران حول النفس حليفاً مع أعداء الأمس ، وتورط في دعمها مادياً ومعنوياً الدكتور عبدالرحمن السويحلي الذي يهوى زيارة جبهات القتال ليستعرض لا ليقاتل، مثلما يهوى السلطة إلى حد الهوس.
أيها الليبيون لا تظلموا الأبطال الذين يخوضون اليوم في ســرت ملحمةً تاريخية لتحريرها وحماية الوطن كله، يقدمون فيها أغلى ما يملكون أرواحهم ودماءهم، ولا تظلموا مــصــراتــة المدينة الأبية التي لم تتردد في افتداء الوطن وحماية وحدته واقتلاع داعش التي قسمت لـــيـبـيـــا نصفين، وهو أعظم عمل يمكنه أن تقدمه مدينة ضمن الوطن لتوحيد الوطن.
لكن لابد من المحاسبة الوطنية والشعبية والسياسية والقانونية والأخلاقية والتاريخية، لكل من تسبب عن سابق تصميم وإصرار أو عن لاحق انخداع واتّباع في ضياع سرت، وفي هذا الثمن الباهظ لتحريرها، فدماء شهدائنا ليست ماء، وأنين جرحانا ليس عواء، ودموع الأمهات والأخوات والزوجات واليتامي ليست سلعة بلا ثمن يبيعها المجرمون ويشتريها السفهاء.
محمد عمر بعيو
منقول عن حائطه ع الفيس بوك