البئر

البئر

قصة قصيرة :: عمر عبدالدائم

لا يدري كيف انزلقت رجله فهوى، ليجد نفسه متأرجحاً ممسكاً بنتوءٍ صخري في منتصف المسافة بين فوهة البئر التي بدت له كبقعة ضوء صغيرة وبين القاع الذي تطفح في مائه جثثٌ وتستقر في قاعه أخرى..عيناه مسمرتان في بقعة الضوء، وجوه يعرفها ولا يعرفها تنحني على فتحة البئر تطالبه بالتمسك بالنتوء ومحاولة الخروج، بعض الوجوه كانت تبكي بحرقة فتتساقط دموعها على وجهه، يمكنه أيضا أن يرى بعض الأرجل التي تسير بجانب الفتحة بلا اكتراث..

وبين اللحظة واللحظة تنزلق اقدامٌ فيسقط في البئر بسرعة رهيبة رجالٌ ونساء يتعرف على ملامح بعضهم اثناء سقوطهم بالقرب منه، وكثيرون لا يعرفهم..في البئر كلٌّ مهتم بنفسه محاولاً النجاة .. منهم من يخذله النتوء الذي تمسك به فما هي الا ثوان حتى يُسمَع صوت ارتطامه بالقاع فيعم السكون..الوجوه التي يعرفها ولايعرفها مازالت تبكي مناشدة إياه الخروج بلا حول لها.. الوهن صار يأخذ منه كل مأخذ فلم يعد يستطيع التمسك أكثر بالنتوء.. فكر في الاستسلام وتحرير يده من النتوء وروحه من الالام.. نظر مجددا للعيون الدامعة والأفواه اللاهجة والقلوب الخافقة فزاد تمزقه .. وتمسكه..لا يعرف كيف سقط في البداية، ولا كيف تمسك بالنتوء، ولم يعرف ايضا كيف تدلّى بجواره الآن هذا الحبل المتين المعقود بدائرة في نهايته..

حاول أن يتابع مصدر الحبل بعينيه فوجده ممتدا بلا انتهاء نحو السماء..مدّ إحدى يديه فالتقط الحبل ..ادخل رأسه في عقدته واستبدل وضع يده الممسكة بالنتوء ليتمكن الحبل من الوصول لخصره، وما إن فعل حتى بدأ الحبل يُشدّ على وسطه فأمسكه بكلتا يديه، وشيئاً فشيئاً صار يرتفع عن مكان النتوء، ويقترب من بقعة الضوء، وصارت ملامح الوجوه الباكية اكثر وضوحاً، وإن كان امتزج فيها الدمع بالفرح والبكاء بالابتسامات.. مازالت نهاية الحبل ممتدة في السماء.. ومازال الرجال والنساء ينزلقون ويتساقطون في البئر الغريب..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :