(فسانيا/عائشة التواتي) ….
أقيمت السبت الماضي ورشة عمل حول التراث الثقافي غير المادي بدار الفنون بطرابلس تحت إشراف “منظمة تكوين الليبية للمعمار والحرف والفنون” بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة، ودار الفنون ، والهيئة العامة للثقافة.
وتم في هذه الورشة عرض عدة أوراق بحثية متنوعة لعدد من المهتمين بهذا الشأن الثقافي والحساس والذي يهدف للحفاظ على التراث الثقافي الليبي غير المادي.
وكانت بداية هذه الأوراق للأستاذ محمود الدقداق الذي تناول فيها التعريف بالاتفاقية الدولية المنبثقة عن منظمة اليونسكو والتي تحث فيها الدول الأعضاء على حفظ وصون التراث الثقافي غير المادي ، بالإضافة إلى عرض لأهم الاتفاقيات الدولية الثقافية ،كما أوضح مفهوم التراث غير المادي الذي يشمل أشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط به من آلات والقطع والمصنوعات والأماكن الثقافية ، والتقاليد والتعبير الشفهي واللغة والفنون وأداء العروض والاحتفالات،، وما يتميز به من هشاشة باعتباره تراث لايستهلك ولا يثمر مما يفضي لضياعه بعد انقضاء عمر المعاصرين له ويكون من الصعب استرجاعه الأمر الذي يحتم ضرورة وجود منظمات غير حكومية تهتم بالتراث بغية احترامه وصونه وحمايته من الاندثار ، وحث على ضرورة التعاون الدولي والمساعدة في التوعية على الصعيد المحلي والدولي .
وحث في ختام عرضه على ضرورة اتخاذ عدة تدابير لازمة لضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي بما في ذلك تحديده وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وتعزيزه وإبرازه ونقله، خاصة أنه عرضة للاندثار والتلاشي.
وتحدث أ.د على برهانة عن المقترحات والتصورات ومايجب تقديمه لصون التراث وكذلك المحاولات التي تقوم بها ليبيا من خلال المركز الوطني للمأثورات الشعبية رغم الصعوبات المادية التي تواجهه، وتعوق سير عمله ، وإعداد القائمة الوطنية للمأثورات من كافة المناطق وتجميعها وحفظها ، والاهتمام بالعناصر البشرية التي تشكل الممول الرئيسي للتراث الشفهي، و التدريب ضمن برنامج الدعم الإنمائي للأمم المتحدة ، وأكد على ضرورة إتمام إجراءات التوقيع واعتماد الاتفاقية من الحكومة الليبية بشكل رسمي للاستفادة من خدمات اليونسكو في هذا الإطار.
وتناول العرض الثالث في مداخلة للدكتور محي الفساطوي التوثيق الرقمي للتراث الحضاري الطبيعي لليبيا من خلال إيجاد سبل للحفاظ على الإرث البشري بمختلف شواهده للأجيال القادمة مما يستدعي تبني مشروع حضاري وطني للتوثيق التراثي الحضاري وصيانته ، وتكوين منظومة وطنية تشارك فيها المؤسسات الوطنية ذات العلاقة مثل اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم ، ومصلحة الأثار، والهيئة العامة للمعلومات ، وجهاز المدن التاريخية ، والمركز الوطني للمأثورات الشعبية ، المركز الوطني للدراسات التاريخية ، وقطاعي الثقافة والسياحة نظرا لحجم المفقودات التي لا تعوض بسبب انعدام الأمن والصراع السياسي.
وشدد في ختام مداخلته على تبني هذه المبادرة الوطنية لتوظيف تقنية المعلومات في عمليات التوثيق بجودة عالية لحفظ الذاكرة الاجتماعية للتراث والتوسع في استخدام التكنولوجيا لزيادة المحتوى الإلكتروني باستخدام تقنية الثلاثي الأبعاد للإرث الحضاري ، ونظم المعلومات الجغرافية ، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لسنة 2003م للتراث غير المادي.
وتقدم أ.م عبد المطلب أبوسالم بورقة بعنوان الملكية الفكرية الثقافية والقائمة الوطنية للتراث غير المادي مبينا فيها القوانين والتشريعات الدولية وحماية أشكال التعبير الثقافي ( الملكية الفكري) ، كما أشار إلى المعايير والاستراتيجية في حماية التراث من خلال ما تضمنته الاتفاقية على إنشاء صندوق التراث الثقافي ، وتطرق أيضا لمعايير الإدراج في قائمة صون التراث الثقافي غير المادي ، ودور المنطمة العالمية للملكية الفكرية لغرض احترام الموروثات الشعبية في كل دولة ، بالإضافة إلى توضيحه للعلاقة بين التراث الثقافي والتنمية الاقتصادية واعتبرهما وجهان لعملة واحدة والتعامل معهما على هذا الأساس لضمان استمرار وبقاء والمحافظة على التراث الثقافي ، وأشار في ختام ورقته إلى المعوقات التي تتمثل في عزوف الشباب عن تعلم الحرف والمهن التقليدية وعدم وضع برامج وخطط جدية تتعلق بذلك ، كذلك قلة إمكانيات الجهات الحكومية ذات العلاقة في ليبيا ، وغياب الوعي لدى بعض شرائح المجتمع اللصيقة مما أدى لإهمال تلك الكنوز.
واختارت الأستاذة عزة الشحاتي من منظمة تكوين الحديث عن “قائمة الصون العاجل” في ورقتها متناولة إجراءات وشروط التسجيل في القائمة من حيث تحديد العنصر وتشخيص مواضع الخطر ووضع تدابير محلية لصون التراث ، وكيفية تقديم ملف الترشيح من الدولة المعنية مع مراعاة الشروط اللازمة في توفير المادة التسجيلية والتوصيات من الجماعات والأفراد المعنيين بذلك …وأفردت في عرضها التجربة الصينية التي ابتدعتها نساء في منطقة لي بالصين لنظام كامل في التقنيات الفريدة التي تشمل الغزل والنسيج ، والصباغة الطبيعية ، والتطريز المزدوج على الوجهين وما تعرضت له هذه الصناعة التقليدية من صعوبات هددتها بالاندثار وما قامت به الحكومة في الصين من إجراءات حقيقية وملموسة لإنقاذ هذه الصناعة بما وفرته من مواد خام ، وإنشاء متحف خاص بها، وإدراجها ضمن المواد الدراسية ، وإنشاء أرشيف خاص وبنك معلومات ، ومعاهد بحوث بالإضافة لإدخال قوانين ولوائح محلية لحماية هذا الشكل من التراث الثقافي غير المادي.
وتطرقت في ورقتها إلى شبه اندثار دباغة وصناعة الجلود التي اشتهرت بها مدينة غدامس والتي تعدى صيتها حدود الوطن والتي أصبح بقاءها رهين عدد بسيط من المسنين والاستعاضة باستيراد هذه المادة رغم توفرها محليا بكثرة.
كما أشارت أيضا لصناعة تقليدية أخرى وهي حرفة صياغة الفضة في طرابلس وجبل نفوسة وما كان لها من أثر واضح في حلي واحة سيوة بمصر والجنوب التونسي ، وما آلت إليه اليوم من تعرضها للتشويه بسبب غلاء سعر المادة الخام واستخدام بدائل رخيصة ، واستبدال التقنيات والمهارات التقليدية الممتازة في صياغة الفضة بأخرى أقل جودة ، وندرة وجود الحرفي الليبي الماهر.
وعقب الانتهاء من العروض المقدمة تمت مناقشة بعض النقاط و تبادل وجهات النظر من قبل الحاضرين والمهتمين بالتراث الليبي الذي يعد هاجس الأغلبية في كيفية صونه محفوظا للأجيال القادمة لما يتمتع به من تنوع وجمال.
وتم التوصل في ختام الورشة إلى التوصيات التالية:
ـ ضرورة المصادقة على الاتفاقية الدولية لعام 2003 الصادرة عن منظمة اليونسكو بشأن صون وحماية التراث الثقافي اللامادي بأسرع وقت.
ـ استحداث المجلس الأعلى للثقافة والمركز الوطني للتراث لتوحيد الجهود.
ـ إقامة المشروع الوطني وتبني استراتيجية وطنية لتوثيق والحفاظ عن التراث.
ـ ضرورة تكاثف المؤسسات الوطنية في إدخال التقنيات الحديثة في التوثيق الرقمي للإرث والتراث الحضاري لليبيا.
ـ ضرورة إنشاء مشروع وطني ” ذاكرة ليبيا” ليكون مرجعية لحفظ وتوثيق التراث المادي واللامادي لليبيا.
ـ التراث الثقافي يعد من الثوابت الوطنية وينبغي التركيز عليه وإبعاده عن التبعات السياسية.
ـ دعم كل المجهودات سواء الأهلية أو الفردية لتوثيق وتسجيل التراث الثقافي اللامادي الليبي.