غادة البشتي ، خابية العسل أو هكذا شبه لي !

غادة البشتي ، خابية العسل أو هكذا شبه لي !

حاورها : سالم البرغوتي.

يعبق عطرها المتسلل من جلد الليل ، تلبس عباءة إيروس وتمارس العبور الداخلي للنص تعيد ترتيب رياحها فلا يطيع الحب توقعاتها ، فالسماء لا تلتقي بنفسها أبدا إلا صدفة في صدى بحيرة . كنت أحتاجها هذا المساء للقاء فما كان لي غير أن أنسج من وحي قصائدها المتسامية هذه المقدمة.

غادة البشتي شاعرة ذات لغة شعرية متميزة وعناوين مثيرة وحضور أخاذ وإحساس عالٍ، تشكلت ذائقتها الشعرية بتأثير دراستها للفلسفة والنقد فتحفل قصائدها من صيغ بلاغية متفردة قابلة لأن تصمد دهرا قبل أن تعبث بها رياح التغيير ذات زمن.

غادة البشتي رغم بساطتها تشعر بأنها تفرض عليك شخصيتها الأميرية ذات الصلة بإحدى أميرات أوروبا ضلت طريقها إلى جزيرة العرب الخشنة.

سؤال مكرر وإن اختلفت الإجابات. ما تقييمك للحركة النقدية في ليبيا؟

نعم سؤال نكرره مرارًا ومن حقنا ذلك .. أين النقد من الحركة الأدبية النشطة بهذا الوقت تحديدا من حياة ليبيا الأدبية وما موقفه منها .. الحقيقة الظاهرة للعيان أن حركة النقد متخاذلة ولا تواكب ما يُعرض من مواد أدبية صارت حقيقة تملأ أرفف المكتبات الخاصة والعامة .. ولكن بصفتي أكاديمية أعلم جيدا عدد الأعمال الكبيرة والكثيرة التي تدرس الأدب الليبي بخاصة ، شعرًا وسردا ومقالة وصحافة أدبية وسيرا ذاتية لكتاب مهمين ليبيين ..

وهي أعمال رصينة ومهمة وتواكب كل ما يصدر حديثا للكتاب وبعض هذه الدراسات تتلقف النتاج الأدبي ولا يزال بخط الكاتب نفسه أي قبل النشر .. الخلل بنظري هو عدم إلمام الجهات المعنية بالنشر بكل هذا الزخم الذي يصل لمئات المؤلفات بكل الجامعات والأكاديميات الليبية. وصار البعض يسعى لطباعة كتبه وبحوثه بطرقه الخاصة ؛ وأظن الفترة القادمة سنلحظ ظهور هذه الأعمال. أضف إلى ذلك المختبرات النقدية التي صارت تُستحدث اليوم كالمختبر النقدي بمصراتة الذي يقوم عليه أهم النقاد بليبيا والجوائز المخصصة للأعمال النقدية.

في حوار سابق مع ليبيا المستقبل طرح عليك سؤال عن أسماء استوقفتك في المشهد الثقافي غير أنك ذكرتي معظم الأسماء النسائية دون ذكر اسم لشاعر . والسؤال من شقين هل هو باب للخروج من الإحراج بالنسبة للشاعرات؟ ثم أين الشعراء في هذا الاستيقاف؟ ربما كان ذكري للشاعرات الليبيات بسياق الحديث فقط .. لكن الساحة اليوم تمتلئ بأسماء شعرية حقيقية بمدارسهم المختلفة ناهيك عن الأسماء الكبيرة التي نجلها ونقدر لها تأسيسها لقصيدة النثر الليبية إن صحت النسبة نرى عبدالحفيظ العابد ، يوسف إبراهيم ، جمعة عبد العليم ، جمعة موفق مفتاح العلواني، سراج الدين الورفلي ، علي جمعة سبيق ، المهدي الحمروني ،يوسف عفط ، أحمد بن وفاء، أحمد قرين، أكرم اليسير ،سيف الدين الهمالي ،حمزة الحاسي نورالدين القايد ؛ هذه فقط عينة صغيرة من الشباب الذين يسعون لرفع راية قصيدة النثر ومكابدة طرقها .

أريد أن أسمع رأيك في قصيدة الومضة وكذلك في الشعر المحكي؟

 قصيدة الومضة نوع أدبي مُستحدث يحمل بعض خصائص البيت الواحد اختزالا وتركيزا وبعدا تأويليا.. وللعلم كل ما قصر النوع الأدبي صار الأكثر حرفية ؛و سلك نهجها براعة عندنا بعض الكتاب من أمثال أسامة الناجح ومحمد عبدالله ومنيرة نصيب وكان من قبلهم جمعة الفاخري والصديق بودوارة أما الشعر المحكي .. أو الحكاية الشعرية أو القصيدة المحكية هو فن جاء به الزجل لغة وقصيدة النثر خصائصا.

وأهم ما يميزها رمزيتها التي يرى البعض حقيقة الشعر فيها وقدرته الكبيرة على التعبير عن أشيائنا الكثيرة بالداخل يساندها في ذلك لغة الشاعر المحكية أو العامية التي لا تتخلص القصيدة المحكية “المضفرة” تماما من الفصحى ، ولعل الشاعر المهم محمد الدنقلي خير من مثل هذا النوع إذ تتصف قصائده بالعمق الفلسفي والفكري وامتلاكه لناصية الكلمتين الفصيحة والعامية أضف لذلك حُسن تمثله لقصائده إلقاءً وحضورًا ولعلني أراه يسامق رواد القصيدة المحكية العربية ومعه طبعا سالم العالم الذي يتفرّد بطريقته ولغته والشاعر الرقيق محمد التميمي والشاعرة نعيمة كركرة وفاطمة عموم وإن عرفت في الفصحى أكثر وقبل هؤلاء جميعا الصيد الرقيعي الذي يعتبره كل شعراء المحكية كبيرهم الذي علمهم الشعر.

ولكن وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي يحققها الشعر المحكي في كل البلاد العربية إلا أنه لا يزال يقابل من بعض النقاد بالاستهجان ويرونه خرقا للمنظومة الشعرية الكلاسيكية .

أرحل عن واديك ماعادت مدنك تستهويني . تشاؤم كبير في قصيدة ؟

 أيها الوطن نعم ونحن تحت وابل الصواريخ والقذائف والنيران العمياء ونحن تحت النزوح القسري من ديارنا ونحن تحت أيادي النهب والسلب وتحت جدران تُهدم فوق رؤوسنا في بلدي ووطني وأمني وسلامي انتابني شعور الحزن والغضب والعجز والقهر والضياع والخوف والتشاؤم من كل هذا المشهد السريالي .. لكن كل ذلك لم يستطع نزع ذرة عشق واحدة لهذا الركن من الدنيا لمن تقول غادة البشتي أحتاج قلبك؟

أقول أحتاج قلبك لهذا البلد لهذا الوطن .. نحتاج حقيقة أن تحبنا ليبيا كما نحبها .. كتبت ديوانا كاملا في هذا الحب عنوانه “نامي بعيون البرق” ومجموعة قصصية بعنوان ” تقلقني أيها الوطن ” إصدار وزارة الثقافة.

 ألا ترى غادة أن شعرها نخبوي بعض الشيء، وأنه يتجه إلى معانٍ فلسفية تحتاج لنوع خاص من القراء؟

 أن يكون شعركَ نخبويا فهذا قصور فيه فالأصل في الشعر أن يُقرأ ومن علامة نجاح المؤلَف هو وصوله لكل العقول والأفئدة ومناقشته وسؤاله وإلا سيكون حبيس نفسه .. فقط نحتاج لقارئ يقرأ وأن ترجع ثقافة القراءة لكل الجيل.

كيف تقيم غادة البشتي قصيدة النثر الليبية على المستوى العربي من حيث قدرتها على الانتشار ؟

 أظن أن قصيدة النثر الليبية لها من المواصفات والخصائص ما تنافس حقيقة القصيدة العربية ولدينا أسماء ننافس بها عمالقة الشعر العربي. لكن ! والسر في “لكن” هذه فكما قلت “انتشار القصيدة الليبية” مرهون بعوامل كثيرة الواقع الليبي يلامسها جيدا فأقلها افتقارنا لمجلة ثقافية ليبية تصل لكل العالم العربي ناهيك عن طرح هذه الأسماء عبر المشاركات الثقافية العربية أو وسائل الإعلام المختلفة .. لكن مؤخرا وبمجهودات الكتاب الفردية عن طريق مشاركاتهم صرنا نرى بوادر هذه النجاحات آخرها وصول ديوان الكبير مفتاح العماري “تحطيب أهل الريح “للقائمة القصيرة لجائزة باوا للشعر الأفريقي

في لقاء العدد السابق من صحيفة فسانيا مع الشاعر نورالدين سعيد عن الشعر النسائي قال إنه لا يوجد شعر نسائي وآخر ذكوري هل تتفقين مع قوله؟

طُرح مصطلح الأدب النسوي بفرنسا في منتصف القرن التاسع عشر إبان الحركات التحررية النسوية ثم في ثمانينات القرن العشرين ظهر مصطلح “ما بعد النسوية “ومنذ ذاك وهذا الوقت ولا يزال هذا المصطلح في جدل وجدال بين مؤيد لضرورته وبين رافض له جملة وتفصيلا وبين من يحاول أن يُرجّح بعض ما أتى به منظروا هذا المذهب ونحن بعالمنا “الليبي” سرنا مع هذا الركب وسنسير حتى يتلاشى هذا النقاش ويقف على مفترق تحديد الهوية والاختيار الحاسم لموقعنا وموقفنا من كل ذلك .. وماذا لو طبّقنا نظرية رولان بارت في موت المؤلف كيف سترانا نواجه النص النسوي!؟ فقد قرأنا للخنساء ولولّادة وللعامرية و للعدوية ولنازك ولميْ ولم يطرُف بمخيلتنا تصنيف شعرهن كنا فقط نستشهد بأجمل مافيه.

كيف تشفر غادة البشتي نصها، وهل تنتظر من وراء شيفرتها نصاً مقابلاً ؟

لا أدري لماذا جالت بذهني رواية “شفرة دافنشي ” أول ما طرحت سؤالك هذا للنص شفرات تحتاج لدراسة سيميولجية تعمل على تفكيكه وتقصي بنياته وهذه تحتاج لناقد متخصص لفعل ذلك.

ولكن وفي الحقيقة كل قارئ للنص هو ذاك الناقد الذي يعمل على قراءة النص وتفكيكه من خلال مرجعياته الثقافية. لذلك الكاتب غالبا ما يكون بذهنه قارئا ضمنيا يغاير أحيانا القارئ الحقيقي للنص لهذا تُخلق نصوص موازية لكل نص يُقرأ تتعدد وتختلف باختلاف متلقيه.

متى في رأيك تتحول القصيدة إلى عطر؟

ثم أنني منذ زمن تخطر على بالي أسئلة من قبيل، حين يريد الشاعر أن يكتب نصاً هل في رأيك يبقى في حالة انتظار للإلهام؟ وهل ثمة إلهام؟ إذا كان كذلك، فكم يجب أن تكون نسبة هذا الإلهام؟ وأين يذهب الشاعر حين يكتب؟ أظن الشعر لحظة إلهام قد تومض الفكرة وأنت خلف مقود السيارة أو على حوض الغسيل أو حتى وأنت تغط بنوم عميق.. ستكون محظوظا إذا أسعفك الظرف وسجلتَ فكرة النص أو مطلعه وربما جميعه دفعة واحدة.. القصيدة كحركة الجسد اللاإرادية هكذا تأتي بلا قصدية منك كالحدقة التي تتسع وتضيق حسب حاجتها للضوء وحسب حالتك النفسية كنزوعنا اللاإرادي للهرب كرفعك ليدك أمام وجهك لتتقي صفعة أو جسما متجها إليك.

القصيدة ردة فعل الشاعر على الحياة ليخلق لذاته حياة موازية. الكتابة الأدبية بعمومها لا تستوعب القصدية المطلقة كما العمل النقدي الذي يتميز بالجدية والمنهجية العلمية إذا استثنينا المقالة وبعض أنواع الرواية وترجمة الحياة بنوعيها.

في نهاية الحوار لاتجد ما تقول في شاعرة أكاديمية تسترسل وتقنع وتستنتج وتنسج من الحروف غزلا جميلا يتماهى مع شخصيتها القوية الخجولة غير أنها غادة البشتي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :