العين … طناز

العين … طناز

محمد مسعود

تحدرت ترفل بثوبها المنساح حسناً، تقصد العين طناز، وقت مقيل. كانت العين ساعتها كما كل مقيل، تخلو من حركة الأنام، اللهم إلا بعض دبيب لحاجات النسوة. كان ذلك ميثاق شرف بناموس القرية بين مُلاّك العين الأقدمين وقد كتبوه على جلد حيواني، ككل عهودهم المقدسة، قِدم الأزل، عهدٌ لا يحيد عنه إلا ضال منبوذ. ثم ما لبت أن صار الناموس عرفاً يسري على قبيل الأنس والجان على حدٍ سواء، تتعاقبهُ الأجيال جيلٌ بعد جيل، شرعٌ لا يحيدون عنه.

عفّرت غسيلها بصابون الغار مرات، ثم نشرته على جريد النخيل، لتلفحه أشعة الشمس الحارقة فيجف، ثم دنت تهبط درجات ثلاث حتى مصب الماء، أشاحت عن ساقيها وهي تُشرع في غمسهما في الماء البارد، وطفقت تدعكهما وذراعيها بورق الحناء ملياً. ثم عفرت شعرها بالحناء هو الأخر قبل أن تتسحب لوسط حوض الماء تعوم.

طفقت تجمع ملابسها وقد جفت أو قاربت، كانت ترفل خيلاء وتيها وهي تشق الطريق رجوعاً لبيتها، كان حال لسانها يصدح قائلاً: سأكون أميرة ليلية الفتق (بالعرقوب)2 الليلة، وسوف لن يخذلني القمر. فليس ثمة من تضاهيني بالحسن قطعاً، وأن كنت ثلاثينية العمر.

جلست النسوة بحلقة العرقوب يقرعن الدفوف والطبول، بإيقاعات بديعة فيما يرددن أغانٍ رددتها الجدات قبل أزل، يزعمن إن تلك الحلقات الغنائية الراقصة هي من تجلب الخير والرزق الوفير للمنطقة لكن تلك الليلة تكون قد بلغت ذروتها حين تتمكن أحداهن من أن تضاهي البدر حسنه فيختطفها رؤية العين ويعيدها متوجة بإيوان من ذهب ولباس من نور. والمحظوظة المحظوظة من تقنع البدر بحسنها وغناءها ورقصها.

“مزنة” الفتية نفّذت ما سمعته من أمها وهي صغيرة بالتمام والكمال، فقد زرعت أوراق الحناء خفية وخلطتها بما تعلمته واشياء اخرى، ثم دعكت جسمها وشعرها بأوراق الحناء تلك، وتطيبت، وارتدت لباساً أبيضاً فضفاضاً، فما كان ينقص البدر إلا أن تتصاعد أهازيج النسوة علواً ويزداد رقصها وثيرة وتنتشي وتنتشي وتنتشي، حتى يهبط شعاع النور يتخطّف الأبصار المشدودة للأعلى تستجديه.

لكن البدر استعصم وخبأت أصوات النسوة، وخفت وثيرة الرقص وحتى توقفت ممتعضة، لا شك أن ثمة خطأ ما قد حدث!، أنه يتوارى خلف كثبان الرمل بعيداً لتفذ حمرة الشمس وهي تبزغ.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 1. قيل إن نفرٌ من الجن تملكها بعد أن دفع ثمنها، حدث ذلك عام 1023 م، ثم عافها ومكن منها نفر من الانس.

 2. مسرح مفتوح تجتمع فيه نسوة المنطقة، ركحه الارض وأفقه السماء.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :