أبجدية العشق

أبجدية العشق

  • قصة قصيرة : عبدالرحمن جماعة

قد يبدو حديثها في منتهى التفاهة، لكن ما يشدني إليه هو تلك الموسيقى الكامنة في الخلفية، هو الطفولة الطافحة بالأنوثة، أو الأنوثة الغارقة في الطفولة!.

نطقها للحروف حالة تحتاج إلى دراسة، أما ريقها الذي يجعل أسنانها أكثر لمعاناً حتى كدت أرى صورتي في بياضها فتلك حالة أخرى عصية على التشبيه!.

في تلك الأثناء فقد عقلي الربط بين أحداث القصة التي ترويها، أو لعل حديثها لم يكن مترابطاً من الأصل!.

لا يهمني الترابط ولا يهمني أي هدف أو غاية أو فائدة أو نفع أو مغزى أو عبرة من القصة، المهم أن حديثها كان أهم عندي من أهم بيان تاريخي، وأجدى عندي من كل خطابات زعماء العالم!.

حرف الراء كان لوحده حكاية تُروى وقصة تُحكى، لم يكن يشبه راءاتنا التي نعرفها؛ بل كان شيئاً فريداً كفنان يُجرب أوتار عوده الجديد الذي لم يسبق لأحد أن احتضنه!.

اللثغة في حرف الراء زادته جمالاً وبهاءً، ذكرتني بقول أبي نواس في فتاة لثغاء:

لقد فتنـتـني لثــغــــةُ موصليّــــةٍ * * * رمتني في تيار بحــر هــوى اللثــغِ

تقول وقد قبَّـلْـتُ واضحَ ثغـرهـا * * * وكان الذي أهوى ونلتُ الذي أبغـي

تغفق، فشغب الخمغ من كغم غيقتي * * * يزيدك عند الشغب سكغاً على سكغ

أما حرف الهاء فقد كان كتنهيدة عاشق ملّه السهر، أو كدهشته بلقاء بعد يأس، وأما الميم والواو فقد كانا كمن يتهيأ لقُبلة!.

الطاء تُشبه التاء، والسين مشمومة بالزاي والخاء كادت أن تكون حاءً، وأما النون.. فيا ويلي من النووووون!

أعتقدت أنني لأول مرة أستمع إلى الأبجدية الصحيحة، وأن الخليل بن أحمد وغيره ليسوا بأعلم منها بمخارج الحروف!.

كنت أخشى أن تسألني عن أحداث القصة التي ترويها فأنا لا أذكر شيئاً سوى نغمات حروفها وموسيقى صوتها!.

كلانا ساذج..

سذاجتها وهي تظن أن تفاعلي وتأثري إنما كان بسبب أحداث القصة!

وسذاجتي وأنا أتابع قصة لا أذكر شيئاً من أحداثها!.

فالسذاجة هي القاسم المشترك بيننا.. وأنعم بها من سذاجة!.

في ختام حديثها قالت: أيرضيك هذا؟!

فأجبت بكل ثقة وبكل حماس: لا – والذي خلقك وأبدع في تصويرك – لا يرضيني!

وأنا إلى اليوم لا أعرف ما هو الذي لا يرضيني أو لا يرضيني، المهم أنه – ومهما كان – لا يرضيني!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :