أبي والغياب

أبي والغياب

بقلم :: عمر نصر

أبي والغياب… غابَ أبي … ومِنْ يومِها يجتاحُني غِيابْ كان أبي بالبابْ وكُنتُ ارقُبُ عودتهْ أجري لِفتحِ البابْ يحضُنُني أُفتشُ جُيوبهْ لعلي أجدُ فيها بعضاً من الحلوى وشيئاً من الألعاب لكِنهُ الغيابْ يسرِقُ طعمَ الحلوى والفرحَ والألعابْ ويُغلقُ الأبواب. كان أبي وِسادةْ وكان أبي سحابْ. علمني الحرفْ رتبَ ليَ الكلامْ وشدني من يدي لأعُبرَ الطريق. يُحدثُني طويلاً كأنهُ صديقْ. كان أبي معي يضيءُ ضوءَ غُرفتي دون أن أُفيقْ. يشِدُ اللِحافَ فوقي يمسح فوق رأسي كأنهُ الرحيقْ. أذكُرُ وقت المدرسة مبكراً يوقِظُني اسمعُهُ يُصلي يرجو ليَّ التوفيق. لازال يطرُقُ خاطري كحُلمٍ عتيقْ. قريباً من السماء يُطيلُ بالدُعاء. كان أبي قنديلاً يضيئُها الحياة وكان أبي منديلاً يمسح عن قلبي الخوفَ والبكاء. كان بالنِسبةِ لي أبسطَ الأشياءْ وأكبرَ الأشياءْ. كان أبي ثميناً كالدفءِ في الشِتاء. كان بالنِسبةِ لي الماءُ والهواءُ والدواءْ. في زحمةِ الحياةْ تأخُذُنا التفاصِيلُ الصغيرة ننساهُ ويغيبْ … فيُطِلُ في دُعاءِنا صلاةْ وفي صلاتِنا دُعاءْ كان يُطيلُ في السفر ويُكثرُ الغيابْ فيعتري نفوسنَا الكدر ونسألُ القمر عن قمرٍ في الليلِ لا يكونْ فأين تُرى يغيبْ. وعندما يعود يُخيمُ حُضورهُ علينا وننسى ما انتوينا تدورُ بأعيُننا أسئلةٌ ٌصغيرة فيُجيبُ عن غُربتِنا ويسألُ عن أحوالِنا ويرُدُ عن عِتابِنا بالخبزِ والنقودْ والثياب فتستبدُ فينا براءةُ الصِغرْ وتكُبرُ الصُور نُعاودُ النظر نحو داك الباب مسافةٌ حزينة بيننا وبينهُ أبي والغياب على مرمى حجر. يغدو أبي بالزمن مسافةٌ مِن شجنْ احتاجُ قلبَ أبي يمُدُني بالزادْ ويُنسِيني الحزنْ حُضنُ أبي أمان قد كان لي وطنْ الحِمى… والملاذ عوناً على المِحنْ أينَ تُرى ألقى قلباً كقلبِ أبي يُعطي بِلا ثمن . كان أبي المسافة وكان لي جناح علمني التحليق والبوح والتفكير والقِصةُ المقيتة خاطِرةُ السفر. العِلةُ الخطيرةْ تجسدتْ بروحهِ الأسيرة راودتهُ في المرةِ الأخيرة حدّق فينا ودقق النظر وعندما استحثهُ الغياب وعاودهُ الحنينُ للسفر قبّلني وودّع الجميع وشدّني إليه أطال بالنظر دون أن ترِفَ عيناهُ من بصرْ ناديتُهُ للمرةِ الأخيرة لوّحَ لي مُبتعداً .. وغابْ … من يومِها يجتاحُني الغيابْ واكرهُ السفر… اليوم غاب أبي به تذكرني الصور (عُكازهُ)والمِسبحة آيةُ الكُرسي وقِصارُ السِور. مازِلُتهُ داك الصبي مازال بي داك الصبي يسكُنُني شوقٌ آبي يسألني ….؟ أين أبي …؟ كأنَ أبي بالباب أظنُهُ بالباب !!! كبُرتُ في الغياب ومازِلتُ حتى اليوم كُلما أسمعُ طرقاً أجري لِفتحِ الباب لعلهُ أبي … قد عاد من السفر…

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :