أثر الصراع السياسي في ليبيا على مؤسسة الجيش

أثر الصراع السياسي في ليبيا على مؤسسة الجيش

لاشك أن تفعيل الجيش هو البداية الصحيحة لإقامة الدولة الليبية المنشودة ، ولتحقيق ذلك يلزم التعامل بحكمة مع الواقع ، فتفعيل الجيش كهدف وطني ليس بالأمر السهل ، فهناك العديد من العراقيل تقف أمام تحققه ، منها ماهو داخلي متجسدة بالإجمال في كل الأطراف المقتاتة على غياب المؤسسة العسكرية ، ومنها ما هو خارجي متجسدة في تلك الجهات الراعية لمشروع الشرق الأوسط الكبير المرسوم في مؤتمر لندن 1907م ، وعلى الرغم من واقعية العراقيل الخارجية إلا أنها ليست بتلك الأهمية ، فتأثيرها مسألة نسبية ، فهي متوقفة على مدى التماسك الداخلي ، وهنا الإشكال ، فالمؤسسة العسكرية رهان الخلافات ما بين حركة الإخوان المسلمين والتيار المدني ، وبالنظر في أسباب عرقلة حركة الاخوان لمشروع تفعيل المؤسسة العسكرية نجد أن التاريخ الحديث يجيب على ذلك ، فاشكالية حركة الاخوان مع الجيش بدأت منذ عهد جمال عبدالناصر الذي كان متحالفا معهم ومنضماً الى جناحهم المسلح السري إبان فترة النضال ضد الاستعمار الانجليزي ، وبعد الإنقلاب العسكري الأبيض على الملك واعلان الجمهورية بات مجلس قيادة الثورة ممثلاً شرعياً للشعب المصري ، حينها طلبت حركة الإخوان من جمال عبدالناصر مراجعتها في جميع القرارات التي تصدر باسم الدولة المصرية ، وهذا ما أكده الكثيرون من الكتاب ، وقد لخص أحدهم ما حدث في تلك الحقبة بقوله (( كان الإخوان المسلمون حريصين منذ اليوم الأول لقيام الثورة على تحريض مجلس قيادة الثورة ضد الأحزاب وتكوين قناعة بضرورة حلها. وعندما اقتنع قادة الثورة بعدم قدرة الأحزاب على تحقيق التغيير الذي يحتاجه الشعب بسبب فسادها وترهلها ، طلبت وزارة الداخلية من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها ، فقدم المرشد العام شخصياً أثناء زيارة مكتب سليمان حافظ وزير الداخلية إخطارا “رسمياً” بأن الاخوان جمعية دينية دعوية ، وان أعضاءها وتكويناتها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي ، ولا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات ، ونفى أن يكون ذلك من بين أهداف جماعة الإخوان المسلمين ، الأمر الذي جعل قانون حل الاحزاب الذي اصدره مجلس قيادة الثورة لا ينطبق على الاخوان المسلمين ، وبعد أربعة أشهر على قيام الثورة ، وبالتحديد في صبيحة يوم صدور قانون حل الأحزاب في يناير سنة 1953م حضر إلى مكتب جمال عبدالناصر وفد من الاخوان المسلمين مكون من الصاغ الإخواني صلاح شادي والمحامي منير الدولة وقالا له: “الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا جماعة الإخوان ولهذا فانهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم” ، فقال لهما جمال عبدالناصر : “إن الثورة ليست في أزمة أو محنة ، وإذا كان الإخوان يعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنهم مخطئون” .. لكنه سألهما بعد ذلك : “حسناً ما هو المطلوب لاستمرار تأييدكم للثورة” ، فقالا له : “اننا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها .. وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد”.وكان رد جمال حازماً : “لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها .. وإنني أكررها اليوم مرة أخرى .. وبكل عزم وحزم..لكنهما أصرا على موقفهما وأبلغا عبد الناصر ان مهمتهما في هذا اللقاء ليست النقاش بل ابلاغ مطالب الاخوان فقط ونقل رد مجلس قيادة الثورة الى مكتب الإرشاد ، ثم جددا التأكيد على مطالب الاخوان المسلمين وهي : أولاً : ألاّ يصدر أي قانون إلاّ بعد أن يتم عرضه على مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين ويحصل على موافقته . ثانياً : ألاّ يصدر أي قرار إلا بعد أن يقره مكتب الإرشاد )) (1) . وللأسف حركة الإخوان في ليبيا لم تستفد من التجربة المصرية ، ولربما غياب مؤسسة الجيش هو ما دفعها أكثر لهكذا توجه متجهم ، بل من المؤسف أن نجدها في موقف التبرير لما يقوم به الإرهابيون الأجانب في حق إخواننا الليبيون ، بل نحملها المسؤولية التاريخية هي المقاتلة في مسألة الدعم العسكري لجميع التيارات الاسلامية المتطرفة ، فإلغاء الجيش والاستعاضة عنه بمليشيا الدروع لا يقع إلا في إطار التآمر ، فمعرفة خطر الشيء والإصرار على إحداثه في مقامرةٍ خطيرة على أمن الوطن ووحدة أراضيه من أجل السلطة والمال لا غفران له ، وها نحن منذ برهة نحصد نتائج سياساتهم العبثية ، ولا أعتقد أنهم سيحتفظون بأي قدر مستقبلي في العملية السياسية الديمقراطية ، ومما زاد من حمق الشعب عليهم غياب الشفافية فيما يسعون إليه تجاه أسس أدوات الحكم السياسي ، وبكل صراحة حتى في إطار اندماجهم في العملية السياسية الديمقراطية التي بدأت بانتخابات المؤتمر الوطني العام لم ينالوا الثقة الحقيقية من الشعب ، وهو ما أكدته انتخابات الهيئة الدستورية ومجلس النواب ، والسبب في ذلك تواريهم عن الشعب في استبدادهم الفكري خلف ملامح التمدرق ، فما الديمقراطية إلا ضرورة مرحلية وفق العقيدة الباطنية التي تكتنف أفئدتهم ، فقوة جهل الشعب وكفره بما يعتقدون أقوى من أي سلطان لديهم ، لذا فالمرحلة مرحلة مهادنة لا حرب وملاينة لا عناد وإجبار . وقبل الحديث عن إعادة تفعيل وهيكلة المؤسسة العسكرية لابد من النظر في ضمان تماسك هذه المؤسسة حال تفعيلها ، فالتباين السياسي ما لم يتوج بتوافق وطني سياسي فمن الصعب الحديث عن استقرار المؤسسة العسكرية وتماسكها ، والرأي القائل إن المؤسسة العسكرية لا تتأثر بالتجاذبات السياسية لا يصح والحالة الليبية ، فإذا كانت مسألة الخروج على المؤسسة العسكرية وهي في أوج قوتها وفي ظل استقرار عام للدولة متحققة ، فكيف الحال والمؤسسة العسكرية بهذا التشظي والضعف وفي ظل غياب حقيقي لمفهوم الدولة على الواقع ؟ . إن الرؤية السياسية الوطنية الواحدة آن أوانها ، وما نحتاجه كخطوة أولى نحو استقرار الدولة بشكل عام وتماسك وقوة المؤسسة العسكرية بشكل خاص هو وفاق وطني عام لا يستثني أحد وينهي معه كل العبث بحق الوطن والمواطن ، فالدولة للجميع وبالجميع ، ولا ضير في أن ترعى المؤسسة العسكرية هذا الوفاق بالتعاون مع القوى الفاعلة الحقيقية المتمثلة في المكونات : 1/ الاجتماعية بحكم كونها صاحبة الإرادة الحقيقية ، 2 / النخبوية من أهل الدين والسياسة والقانون ، فهم روافد أساسية في نجاح الحوار الوطني ، وما التركيز على فكرة الوفاق الوطني إلا لتذليل السبيل أمام المؤسسة العسكرية في تحقيق أهدافها ، وتحقق هذا الوفاق يزيل معه كل العراقيل المتوقعة في غيابه من أطراف الخلاف السياسي التي قد توظف احتياجاتها للضغط على المؤسسة العسكرية وعرقلة مسارها في وقت غير مناسب ، لهذا يلزم إيجاد وفاق وطني يجمع الليبيين جميعا ويؤمن لهم الحياة على أنقاض الخلاف . إن تحقق الوفاق الوطني يدعم روح المشاركة الوطنية بين عناصر المؤسسة العسكرية ، بل ويجعل من المؤسسة العسكرية قوة ضاربة على الصعيدين الوطني والدولي ، فالوفاق قاعدة أساسية للمؤسسة العسكرية في استمرارها واستقرارها وقوتها ، ومن الحكمة والذكاء أن تسعى المؤسسة العسكرية لتحقيق هذا الوفاق ، فالظروف الآنية تدفع المؤسسة العسكرية منطقياً التعاطي مع الواقع في إطار المصالحة والوفاق على مستوى الوطن ، والخوض في السياسة في مثل هذه الظروف تندرج في إطار الالتزامات الوطنية إلى أن تستقر الدولة وتبنى على أساس من القانون . وتزامنا مع المسار السياسي يلزم أن تضع المؤسسة العسكرية رؤيتها في تفعيل الجيش في كامل البلاد دون استثناء ، انطلاقاً من المناطق العسكرية العشر في ليبيا واستنادا على القانون العسكري الذي يضمن انضباط وفعالية عناصر الجيش ، بالإضافة إلى اتفاق وطني حول مستقبل التشكيلات المسلحة غير النظامية ، وهذا يدفع الدولة للتضحية قليلا من أجل إيجاد حلول مرضية لأبنائه المنضوين تحت تلك التشكيلات ، ولعل الخطوات التالية هامة ويلزم اتخاذها أو اعتمادها خاصة في إطار الوفاق الوطني وإستراتيجية تفعيل مؤسسة الجيش بليبيا : 1 / حصر التشكيلات المسلحة وحصر القوى التابعة لها ، 2 / تجهيز مراكز للتدريب في قطاعي الجيش والشرطة ، 3 / فتح المجال أمام القوى الثورية للانتساب إلى الجيش والشرطة وتسجيل الراغبين بالدراسة او ممارسة مهن في قوائم وتمكينهم منها . 4 / إلزام الحكومة بإصدار قرار يقضي بعدم صرف أي مكافأة مالية لأي عنصر من عناصر تلك التشكيلات إلا وفق الأطر المعتمدة في مسودة الوفاق ، حفظ الله ليبيا وأهلها

علي ضوء الشريف


1- لماذا يكره الإخوان المسلمون جمال عبدالناصر؟ _ الكاتب أحمد الحبيشي ، مقال منشور على الموقع الإخباري اليومي “27 سبتمبر” ، يوم الخميس 13 مارس – آذار 2008 09:37:38 ص ،

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :