حاورته :: زهرة موسى
في الربيع الخامس والعشرين من العمر ، يخوض ريعان الشباب ، الطالب أحمد الذي يدرس بالمعهد العالي للمهن الشاملة بقسم الكهرباء ، يعشق كرة القدم ، و برمجة الحواسيب ، ناشط في المجتمع المدني ، و عضو في فريق الدعم النفسي ، أحمد الذي عاش صراعاً مع مرضه الغريب الذي عجز معظم الأطباء داخل مدينته و خارجها عن تشخيص ماهيته ،ووقفوا عاجزين لاحول لهم أمامه ! وهاهي فسانيا ترصد قصة صراع أحمد مع مرضه في هذا العدد : يروي ” أحمد عبد الرحمن التواتي” بداية ظهور الأعراض قائلاً : كنت أقود السيارة في طريق عودتي من حفل زفاف أحد أقاربي بمدينة غات رفقة ابن عمي ، فجأة انتابتني نوبة سعال قوية جدا ، و تفاجأت حينما شعرت بشيء دافئ في راحة يدي ، نظرت إليه ولازلت أسعل فوجت ببقع حمراء من ” الدماء ” ، فانتابني الهلع في تلك اللحظة ، صارخاً في نفسي : يا إلهي ما هذا ؟! ليزداد السعال ، وتنبثق الدماء الساخنة في فمي مع كل سعلة ، حتى لم أعد أقوى على القيادة وتوقفت بجانب الطريق في نوبة السعال الدموي و كان ابن عمي فزعاً يحاول المساعدة، ومرت بضع دقائق هدأت بعدها تلك النوبة ، فغسلت وجهي و يدي و شربت الماء، شعرت حينها بالقليل من التحسن ، ورغم تعبي و شعوري بالوجع في صدري ، إلا أني استمررت في القيادة لأن قريبي لا يزال صغيراً ، و لا يستطيع القيادة . عَوْدَةُ السّعَال الْأحْمَر و استرسل ” ذات الليلة تكررت معي النوبة ” نوبة السعال الدموية ” من جديد، و أخبرت عمي بالنوبة التي باغتتني سابقاً في سفري ولكنها كانت أقل حدة ، وذهبت لمركز سبها الطبي و تلقيت العلاج ، و طمأنني الطبيب حينها بأن أعراضي مجرد التهاب بسيط في الصدر ، وعدت مجدداً لسبها لاستكمال الفحص بناءً على طلب عمي و قمت بإجراء فحوصات طبية للتأكد من سبب هذه النوبة . أوضح “عدت إلى مدينتي ، و عادت تلك النوبة ، وزرت الطبيبة وأجريت بعض الفحوصات و الصور التي طلبتها ، لتخبرني أن ما أعانيه مجرد التهابات بسيطة ستختفي مع العلاج ، وأكدت طبيبة أخرى زرتها نفس التشخيص ، فأخذت العلاج ، لعدة أيام و لم يستجب جسدي للدواء الموصوف ، فقررت الذهاب إلى أحد الأطباء المتخصصين ، و بالفعل ذهبت لزيارته ، وأجريت مجدداً مايلزم من صور و فحوصات طبية ، ليقول الطبيب المختص ماقاله الأطباء من قبله ، فنوباتي مجرد التهابات في الصدر ، و نقص في بعض الفيتامينات فقط ، و هكذا رضخت للوضع ، واستأنفت العلاج ، و لكن الوضع لم يتغير . وأظهر أحمد : ” شعرت بالقلق ، لأن الأمر بات غريباً بالنسبة لي، فإذ كانت مجرد التهابات لماذا لا يستجيب جسدي للعلاج ، لماذا لا تزال تلك النوبة تنتابني بشكل أكثر حدة من السابق ؟…
رِحْلَةُ العِلَاجِ بَيْنَ أمَلٍ وَألَمٍ. استرسل ” اتصل بي عمي ، ليطمئن عليّ ، فاقترح عليّ السفر إلى العاصمة طرابلس برفقته ، فوافقت فورا ، لأني كنت أحتاج لاستراحة محارب وسياحة أيضا لا مجرد علاج . قبل السفر تناولت العلاج بشكل منتظم ،بل حتى في طريق السفر كنت آخذ الأدوية و محاليل ال”تغذية ” بانتظام ، ومن باب الدعابة قلت لعمي بأن مرضي سهل علينا عبور البوابات، ففي كل نقطة تفتيش عندما يرى االعساكر الإبرة في يدي ، و شكلي الشاحب يسمحون لنا بالمرور فورا . و للأسف بعد زيارتي للطبيب أكد لي بأن كل جرعات الأدوية التي كنت أتعاطاها كانت مسكنات فقط ، عند وصولنا لطرابلس بتنا ليلة ، وفي الصباح تابعنا السفر إلى صبراتة ، بناءً على نصيحة ابن عم لي يقطن بصبراتة و أخبرني أن هناك مصحة جيدة تسمى “مصحة الصرمان ” فقصدنا تلك المصحة ، ودخلت على طبيبة قامت بالمعاينة والكشف ، و الاطلاع على ملفي المرضي ، وقررت نهايةً أن ترسلني إلى طبيب آخر مختص في أمراض الصدر ” الجهاز التنفسي ” وكان طبيبا أجنبياً ، يتعامل معه جميع من في العيادة بطريقة ودية جدا ، ذهبت إلى الطابق الثاني لمقابلته . قام الطبيب المختص ” بقراءة نتائج الفحوصات والصور التي أجريتها ، وطلب مني فحوصات أخرى ،كانت نتائجها سليمة . وطلب مني الطبيب المختص الاستمرار في تناول بعض الأدوية و الفيتامينات ، و أكد كما قال الآخرون أن مرضي مجرد التهاب سيشفى مع مداومة العلاج لفترة أسبوعين .. ، بالفعل أخذت دوائي باستمرار وبشكل منتظم ، و لاحظت أن السعال قل ، وقلت عدد المرات التي يصاحبه فيها نزيف . و بعد فترة الأسبوعين ، في يوم الخميس ، عادت فجأة تلك السعلة المصحوبة بنزيف ، فشعرت بالذعر ، و تحدثت مع ابني عمي ، و عمي وأخبرتهم بأن ” هناك شيئا ما غير طبيعي فيما يصيبني ، أنا لا أفهم ، ما الذي يحدث معي ؟!! أعرب ممتناً “في تلك الفترة كانت العائلة بأكملها تقف جانبي ، فدائماً ما يتصلون و يسألون عن صحتي ، ويدعمونني معنويا ، اتصلت بي خالتي و طلبت مني ، أن أذهب إلى طرابلس ، فهناك طبيب جيد ، متخصص في مجاله . في تلك الفترة كنت أشعر بالوجع في كامل جسدي ، وأستيقظ أحياناً من نومي متخدراً لا أشعر بقدمي و يصعب علي المشي ، هنا أصر عمي على الذهاب إلى ذاك الطبيب ، لأنه شعر بتأزم وضعي الصحي .
التّشْخِيصُ الصّادِمُ لِنَوْبَاتِ السّعَالِ ! ذهبنا إلى ذاك الطبيب في طرابلس ، اطلع على كل ملفي المرَضي و رويت له رحلتي مع السعال الدموي ، فنصحني بترك كل الأدوية السابقة ، وبدء العلاج من الصفر ، قمت كالعادة بمجموعة من الفحوصات و صور أشعة ، و كتب لي مجموعة كبيرة من الأدوية ، قبل الاطلاع على نتائج الفحوصات ، فكانت كلها مسكنات و فيتامينات ، و بعد خمسة أيام ذهبت إلى الطبيب حاملا معي نتائج الفحوصات . وأخبرني الطبيب ” بعد رؤيته لنتائج الفحوصات ” قائلاً : ” يا ابني أحمد أنت لديك أكياس فطريات ، وهذا المرض غير شائع في ليبيا ” و طيلة عمري المهني لم يمر عليّ سوى حالتين فقط مصابتان بنفس مرضك ، أحدهما شخّصه طبيب صديق لي ، و الحالة الأخرى شخصتها أنا و كانت امرأة ، و قد تلقت العلاج لفترة ثم اختفت تلك المرأة و لم تتواصل معي ، وهذه الأكياس تنفجر كل فترة ، وهذا الانفجار يسبب لك نزيفا مصحوبا بالسعال ، و لكن بإذن الله سأتواصل مع أصدقائي الأطباء في الخارج وهم خبيرون في هذا المجال . في الحقيقة صدمت عندما تلقيت هذا النبأ ، و كنت خائفا جدا ،فكيف سأخبر والدتي والجميع بالأمر الذي ينتظرونه بفارغ الصبر ، كانت ستكون الصدمة شديدة . أذكر أننا قد خرجنا من الطبيب عند غروب الشمس ، و لم أخبر عمي بما قاله الطبيب فقد كنت مصدوماً وغير مستوعب لما يحدث ، مر الوقت وتمالكت نفسي في الليل لأجلس مع عمي و وأخبره بما كان. تلقى عمي الخبر بذهول ، وبات يتساءل كيف يحدث هذا المرض ولماذا ، و طلب مني عدم إخبار والدتي ، وتكتمت على تشخيص مرضي، فلم أخبر أحدا من أفراد العائلة خوفا من أن يخطئ أمامها ، فاتصلت بهم وطمأنتهم بأن النتائج كانت سليمة ، و أني أتلقى العلاج الآن .
عَلَى شَفَا تَآكُلِ الرّئَتَيْنِ! وأكمل أحمد ” بقيت على تواصل مع الطبيب ، و أخبرني في زيارتي الثانية تفاصيل أكثر عن المرض ، فقال بأن تلك الأكياس عندما تنفجر يتآكل جزء من الرئة ،عندها داهمني الخوف ، بدأت أشعر بخطورة مرضي الذي يحتاج للسرعة في العلاج و إلا فإن الموت نهايتي لا محالة . وأوضح ” أخبرني الطبيب أن العلاج ليس بالأمر الهيّن ، و أنه إذا تطلب الأمر سيصحبني للعلاج في مصر ، وكم كانت تلك اللحظات ثقيلة و مخيفة جدا ، وتذكرت حينها بأني لا أملك جوازا للسفر ، كما ستواجهني مشكلة التأشيرة أيضا ، و طمأنني بأنه سيتواصل مع بروفسور و خبير في علاج مثل هذه الأمراض ، و سيرسل له نتائج الصور و الفحوصات ، و سيتابع معنا جلسات العلاج ، و الحمد لله بأني تلقيت العلاج لمدة شهر ، وتوقف النزيف ، ولكن استمرت حالة التعب الجسدي ، و باتت تتفاقم يوما بعد يوم ، حتى باتت تؤثر على حركتي ، فلم أعد أستطيع المشي إلا بصعوبة ،و عند عودتي لسبها أخبرت والدي بما حدث والحمد لله أنه استوعب الأمر ، واتفقنا على عدم إخبار والدتي ، و تكتمنا على الأمر . في تلك الليلة شعرت بالألم يزداد ، تواصلت مع الطبيب و أخبرته بما يحدث لي فطلب مني أخذ “مسكن بنادول ” وأن ألجأ في حال ازدياد الألم إلى أقرب مركز طبي . وعدت للمراجعة في طرابلس ، و هنا كان النزيف قد عاد ، و لكن بشكل بسيط ، و حتى الآلام قد قلت ، و استمررت بالعلاج لفترة 4 أو 5 أشهر ، و كنت في كل مرة أذهب صحبة أحد من إخوتي أو أقربائي ، و بسبب المصاريف ، أصبحت في المرات الأخيرة أذهب لوحدي للتوفير . في فترات متقطعة كان يتوقف النزيف ، وقد يعود بشكل بسيط ، و لكن في أحد الأيام عند تواجدي في منزلنا جاءت نوبة سعال شديدة مصحوبة بنزيف شديد كثلك التي كانت في البدايات ، هنا شعرت برغبة في إخبار والدتي بالأمر ، فالأمر قد ازداد سوءاً ، هذا مادار في عقلي في تلك اللحظات . لَحَظَاتُ البَوْحِ بِالوَجَعِ ! في مساء ذلك اليوم جلست مع والدتي و مهدت لها الأمر ، و أخبرتها بما يحدث صدمت جدا ، و خافت كثيرا ، و لكني بدأت أشرح لها الأمر ، و أخبرتها بأن الأمر ليس خطيرا ، و أن الأطباء قد طمأنوني و أني الآن أتلقى العلاج ، رغم خوف أمي لم يكن أمامها إلا تقبل الأمر ، و أخبرت خالتي أيضاً التي طلبت مني زيارة ذلك الطبيب الذي أتلقى عنده العلاج ، و أصبحت أنا من أقدم لهم الدعم النفسي و أهدئ من روعهم و أبسّط لهم الأمر ، بالرغم من أني كنت بحاجة لمن يخبرني بأني سأكون بخير ، و أن الأمر بسيط و هيّن كما كنت أخبرهم . واسترسل أحمد،في قصته قائلاً “جاء موعد المراجعة عند الطبيب في شهر مارس 2017 ، و أخبرته عن وجود ألم كبير في صدري ، فأخبرني بأنه تواصل مع أحد أصدقائه بالخارج و أخبره بوجود العلاج و لكن المشكلة تكمن في أن هذا العلاج لا يتوفر في ليبيا آنذاك ، و لكنه موجود في مصر ، أو تونس ، و أخبرني بأنه تواصل مع مخازن الأدوية و بعض الصيدليات و لكن العلاج لم يكن متوفراً ، فطلب مني ضرورة السفر إلى مصر أو تونس لأن الدواء يتوفر هناك ، ولاحظت أسرتي بأن الأمر قد طال و أنا أتلقى العلاج حوالي خمسة أو ستة أشهر ، و لكنني لم أُشْفَ ، بالرغم من تحسن الوضع أحيانا ، إلا أن حالتي كثيراً ما تنتكس ، و أتألم بشدة في معزل عن أسرتي ، ولا أخبر أحداً من أهلي كي لا ينزعجوا أو يخافوا ، لذا قررت أن أستخرج جواز سفر ، و أسافر لدول الجوار ، فمن غير المنطقي أن أتعايش مع هذا الألم و الدواء موجود هناك في الطرف الآخر من الحدود .
لَيْلَةٌ لَيْلَاءَ قَبْلَ الْعِلَاجِ خَارِجَ الحُدُودِ ! تابع ” أحمد ” أجريت اتصالاتي لأستخرج الجواز ، و كنت في تلك الفترة قد ذهبت إلى صبراتة ، و كان الجو باردا جدا ، رغم تحذيرات الطبيب من البرد الذي سيزيد من حدة المرض ، فأصبت بالزكام ، و بدأت أسعل بشدة و عادت أعراض المرض ، وبدأت أنزف بكثرة ، انتكست في تلك الليلة ، وبدأت أشعر بوجع شديد جدا في صدري انتقَل إلى جانب الأيسر ، و بعدها بدأت أشعر بالألم يزداد و ينتشر كالحمى ، و تلك الليلة لم أستطع التحمل لأن الوجع قد فاق الحد المعقول ، دخل عمي الغرفة فوجدني أتألم ، وكان الوقت حوالي الرابعة فجرا ، فقال عمي تحمل قليلا ، حتى الصباح ، و جلس عمي بجانبي تلك الليلة محاولا تخفيف الألم بالمساج ، و ظل يرعاني حتى الصباح ، تلك الليلة كانت من أصعب الليالي التي كابدتها ، فلم أجد أي وضع مريح للنوم ، فكلما نمت على جانب شعرت بألم شديد جدا في الجانب الآخر ، كانت الآلام مبرحة لدرجة تفوق الوصف ، في الصباح وكان الوجع مستمراً ، طلب مني عمي تناول الإفطار ، و لم أقوَ على أكل أي شيء ، تحت إلحاحه أخذت لقيمات ، وما إن وصل الطعام إلى جوفي حتى استفرغت دما ، و ازداد الألم ،فكنت أصرخ وجعاً ولم أستطع السيطرة على نفسي : شل جسدي ، ونقلني عمي إلى مشفى صبراتة التعليمي ، وهناك ذهبت لطبيبة حولتني إلى طبيب آخر ، وكنت لا أستطيع المشي بين الطابقين ، و كان ابن عمي يسندني و لم يكن لديه أي خلفية عن مرضي ، وشعرت بخروج الدم و بدأت أتمتم له “دم ، دم ” و لم يفهم ما أقصد ، وبدأ الدم يخرج من أنفي ، و فمي ، ونزفت بشدة ،فزعاً ناولني ابن عمي المناديل ، وأحضر سلة لتلقي الدماء، وهنا دخلت على الطبيب ، الذي قام بإجراء الفحوصات و الصور ولكن لم يتبين أي شيء ، صدم الطبيب لأن الفحوصات كلها سليمة ، إذا ما هو مصدر هذا الوجع ، و ما سببه ؟.. تابع ” ابن عمي كان مصدوماً ، ويتساءل: ماذا يحدث ؟ ، وطلبت من عمي إخباره ،فتحفظ عمي ، في تلك اللحظة من شدة الوجع أخبرته بكل شيء دفعة واحدة ، فسكت لبرهة ثم قال معاتباً: لماذا لم تخبرني ، فرددت : إنني أتألم الآن ، هذا ليس وقتا للملام .
الطّرِيقُ المُفَخّخَةُ بِالْألَمِ ! هنا اتصلت بطبيب بمركز ” النوران” الذي كان يتابع وضعي منذ أشهر ، فاقترح علي الطبيب المتابع لحالتي الذهاب فورا إلى “مركزطرابلس الطبي ” ، فوضعي يحتاج إلى عناية خاصة ، في تلك الفترة اضطرتنا بعض المشاكل الأمنية في طرابلس ، إلى الذهاب عبر الطريق البري الطويل ” طريق حرف التي ” ، رغم قُطّاع الطرق و البوابات الوهمية ، فلم يكن أمامنا خيار آخر ، خضنا مساء ذلك اليوم مسافة حوالي 200 كيلو متر ، و أحسست أن الطريق طالت إلى مالانهاية بسبب الوجع و الألم ، و كان الجو ممطراً ، وبارداً. أخيراً .. وصلنا إلى العزيزية ، ونزل عمي للصلاة في أحد المساجد ، و بالرغم من الألم و ثقل حركتي إلا أنني أصررت على النزول معهم للصلاة . استرسل ” أكملنا الطريق إلى المركز الطبي طرابلس ، و كان أحد أقربائي الذي علم بمجيئنا ينتظرنا على مدخل المركز ، وصلت ومن شدة الألم لم أستطع الوقوف أو التحرك ، فجلبوا كرسيا متحركا ، أجلسوني عليه ، أدخلوني بسرعة إلى غرفة الطوارئ ، وبدأ الأطباء بالكشف ، و طرح عديدة الأسئلة التي ستساعد في تشخيص الحالة كما ذكروا ، و أجبت بصعوبة على الأسئلة ، فجاء طبيب آخر و بدأ يعيد طرح ذات الأسئلة ، و لم أعد أقوى على الإجابة فمن شدة الألم لم أعد قادراً على الكلام ! بعد إتمام الكشف المبدئي ، نقلت إلى غرفة في الطابق العلوي ، و جاء طبيبان آخران إلى الغرفة ، وتحدثا معي وطرحا أسئلة عن تاريخي المرضي ، ومتى بدأت هذه الأعراض ، و أخبرتهم بأني الآن متعب جدا ، ففي ذروة الوجع و الألم لا أستطيع التحدث ، ولكنهما أصرا على الإجابة ، وكانت الساعة الواحدة ليلا عند انتهاء الحديث الطويل معهم ، أجروا بعض الفحوصات ، وبدأت أشعر ببعض التحسن بعد أخذ جرعة ” تغذية ” و بدأ الوجع يهدأ قليلا ،كنت لم أنم منذ ليلتين ، و طلبوا مني أن أبقى مستيقظ حتى تنتهي ” التغذية ” ، ولكن غالبني النعاس و نمت . تحدث ” عندما صحوت من النوم بدأت أسعل وعادت النوبة ، فطلب مني تحليل الدم الناتج عن السعال ، و نتيجةإصابتي بفقر دم طلبوا متبرعاً ، ووجدنا متبرعا و الحمد لله . في تلك الفترة تردد طلبة طب على المشفى ، و جاؤوا ليتعرفوا على هذه الحالة و بدؤوا يسألونني بعض الأسئلة وتعاونت معهم ، و أخبرتهم عن كل التفاصيل التي أخبرني بها طبيبي ، و في تلك الفترة أعادوا جميع الفحوصات ، و الصور و الرنين المغناطيسي ، و اكتشفوا بأن مرضي أكياس فطرية كما قال طبيبي . قال الطبيب بأن الحل هو استئصال جزء من الرئة الموجود به الأكياس ، ولكن في حالتك الأكياس منتشرة في كل الرئة , فكنت أجسد حالة غامضة، صارت محط أنظار و اهتمام الجميع في المشفى .
دُعَابَة الْإيبُولَا المُضْحِكَة المُبْكِيَة ! و أشار ” قال لي أحد الأطباء المتابعين لحالتي ” بأنهم سيخرجونني من المركز لأنهم لن يستطيعوا فعل شيء حيال مرضي ، و الحل الوحيد أمامهم هو إجراء عملية ، من أجل أخذ جرعة لتحديد ماهية الأكياس ، و قد يتم إجراء عملية أخرى . نصحني الأطباء بالسفر إلى تونس ، أو الذهاب إلى طبيب هنا في العاصمة ، لم يكن أمامي إلا أن أذهب إليه فقال لي بأن العملية تكلف تسعة آلاف دينار ، وهنا صدمت فهذه المبلغ مقابل أخذ العينة فقط ، ناهيك عن ثمن فحص هذه العينة ، و أخبرني بأني سأضطر لتحويل هذه العينة إلى الخارج ، و أصبحت أنتقل من طبيب إلى آخر دون جدوى . و الظريف في الأمر أنه عندما ذهبت إلى الدرن اعتقدوا بأنني مصاب بمرض الإيبولا ، و بما أنني عملت ضمن فريق الهلال الأحمر أخبرتهم بأني أعي جيدا ماهية الإيبولا و أعراضها . شعرت باليأس و أحسست بالخوف وظننت بأنني سأموت قريبا ، لأن الجميع قد حار في مرضي ، و الحمد لله كانت عائلتي بجانبي ، حتى استعدت قوتي ، فمر ذلك الشهر الطويل الثقيل ، ورجعت إلى طبيبي ، و طلب مني التقرير الذي كتبوه بالمركز الطبي ، و بعد رؤيته ، قال من الضروري أن تذهب إلى تونس ، و أعطاني اسم طبيب هناك طلب مني التواصل معه . سَفَرُ ” اليَاسَمِين ” لِلشّفَاء .. أفهَم “بالفعل قمت بإجراءات جواز السفر ، و استلمت جوازي ، و سافرت رفقة عمي عن طريق البر إلى تونس، بدأت العلاج بمصحة الياسمين بمركز العمران الشمالي ، و أخبرتني الطبيبة بأنني أعاني من أكياس جرثومية منتشرة بالرئة بينما هناك واحد لونه أسود و كبير ، قالت بأن هذا هو المركز المحاط بمجموعة أكياس بيضاء ، و أجري لي المنظار ، والفحوصات ، و تبين بأن ذلك الكيس الأسود مليء بالدم ، و تسبب بالتعفن و هو مصدر الجرثومة و مركزها ، و بدأت العلاج و بقيت لمدة أسبوعين هناك ، و أخبرتني بأن مدة العلاج طويلة ، و تعتمد على مدى تجاوب جسدي للعلاج ، فشعرت بأمان و اطمأننت لها ، و أخبرتني بأننا سنجري عملية في حال عدم توقف النزيف ، والحمد لله بدأت أتعافى ، و بعد فترة عاد النزيف و عندها لم أخبر أحدا ، تكتمت على الأمر ولكن أمي العزيزة اكتشفت ذلك و طلبت مني التواصل مع الطبيبة ، أخبرتني الطبيبة بأن عليّ العودة إلى تونس ، و إجراء عملية قسطرة ، لأن أحد عروق الرئة قد انفجر وهو سبب النزيف ، و بالفعل أجريت العملية و الحمد لله جرت الأمور على ما يرام أو هذا ماظننته حتى تدهورت صحتي فجأة ، و اتصلت بطبيبتي في تونس ، وذهبت إلى هناك بعد مروري على مشفىً بسبها و بقائي به أربع أيام ، قالت يجب أن نجري عملية فورا لأن مركز الجرثومة قد تحرك وهو الذي أحدث تلك النوبة ، و الحل الآن هو استئصال جزء من الرئة ، وكان الفاصل بين العمليتين أسبوع فقط ، وهذه المرة الحمد لله أجرينا العملية و كانت نسبة نجاحها عالية ، وتم استئصال الجزء الذي يحتوي على جزء كبير من الأكياس و مركزها ، استمرت العملية لِسِتّ ساعات ، و بعدها أجريت جلسات للعلاج الطبيعي لأن الرئة أصيبت بانكماش بعد العملية كان لابد من تلك الجلسات حتى تعود طبيعية نوعا ما . نوه ” و الحمد لله الآن أنعم بصحة جيدة جدا بالرغم من صعوبة تلك الفترة التي قضيتها بين العيادات و أسِرّة المستشفيات ،و الليالي الطويلة المثقلة بالألم إلا أنها لم تكن بصعوبة ما حدث بعد ذلك ، فبعد عودتي من العلاج ، مرضت أختي و أجرت عملية بإحدى العيادات بالمدينة ، وعلى إثر ذلك أغمي على أمي ، و أصيبت بجلطة ، وظلت طريحة في العناية لمدة خمسة أيام و تحسنت صحتها و لكن حدوث الحرب بمدينة سبها آنذاك أتعب نفسيتها رغم محاولتنا التخفيف عنها ، و بعد مرور فترة توفيت والدتي ، وكنا نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك ، وهأنا الآن أنا أنتظرها وهي لن تأتي أبدا رحمها ا،لله كانت صدمتي بموتها كبيرة ، فقبل أشهر قليلة من وفاتها كنت أعتقد بأنني أنا من سيرحل و يتركها ، و لكن هي من تركتني ، و الحمد لله على كل حال فكما يقال ” المؤمن مصاب ” .