بقلم :: مفتاح قناو
كانت الدولة الليبية عشية الاستقلال دولة من أفقر دول العالم، مجتمع رعوي مع القليل من الزراعة المستقرة، والقليل النادر من المصانع والمعامل البسيطة والتي كان في معظمها يملكه ويشغله الايطاليون، وكانت المساعدات الدولية وبرنامج النقطة الرابعة الأمريكي من أهم البرامج المؤثرة في حياة المواطن في ذلك الوقت ، وهذه الدرجة العالية من الفقر هي التي دفعت أولى حكومات المملكة الليبية إلى تجديد اتفاقية قاعدة ويلس الجوية في مقابل إيجار سنوي تدفعه أمريكا نقدا لسد عجز الميزانية الليبية، ويتم تصريفه مرتبات للموظفين والشرطة وباقي الهيئات الرسمية، إلا أن العناية الإلهية العظيمة أرادت لهذه الأرض الصحراوية أن تكون مصدر خير فتم اكتشاف النفط بكميات تصديرية مع منتصف الستينيات وبدأت الدولة الليبية في الانتعاش الاقتصادي مع نهاية الستينيات، إلا أن النظام السياسي الذي حكم البلاد الليبية بعد الانقلاب العسكري عام 1969 م والذي قاده شخص نرجسي،يحلم في يقظته بزعامة العالم شرقا وغربا، ناسيا حجمه الحقيقي وحجم البلاد التي يحكمها، قد أضاع ثروات ضخمة طيلة أكثر من أربعة عقود، كانت تمثل فرصة ليبيا الذهبية في التنمية والتقدم، ليجد الليبيون أنفسهم بعد أكثر من ستين عاما من الاستقلال في وضع متخلف اقتصاديا وإداريا وسياسياً أكثر مما كانت عليه في ذلك الزمن .
ورغم كل المعوقات إلا أن الظروف والأحوال قد تغيرت كثيرا عما كانت عليه في ستينيات القرن العشرين،والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي حدث جعل إمكانيات اللحاق بالعالم وقيام دولة حديثة ومتطورة أسهل من ذي قبل، خصوصا مع ثورة الاتصالات والمعلوماتية وما لعبته من دور في تذليل الصعاب وتوعية الشعوب بشكل مباشرة وانفتاح الرؤية ليرى الناس بعضهم بعض دون حواجز حكومية كالستار الحديدي الذي أقامه الاتحاد السوفيتي السابق على دول المنظومة الاشتراكية أو الستار الذي أقامه الحكام العرب على شعوبهم لتكريس الثلاثي اللعين (الجهل والفقر والمرض) حتى يستمر جلوس الحكام على الكراسي .
هذا التقدم التكنولوجي جعل من ليبيا دولة هامة ليس فقط لإنتاجها النفطي والغازي ولكن ساعد هذا التطور في خلق عوامل ونقاط قوة جديدة للدولة الليبية وللاقتصاد الليبي وهذا ما يعزز ما يمكن تسميته بـ (الأصول الثابتة والمنقولة للدولة الليبية) و التي تمثل الثروات الحقيقية للمجتمع .
من أهم ثروات ليبيا ومن الأصول الثابتة للدولة الليبية (موقع ليبيا الجغرافي) ، حيث تصلح ليبيا لان تكون أهم مراكز تجارة العبور بين القارات الثلاث وهي تمتلك أطول شاطئ على البحر الأبيض المتوسط وتواجه اغلب دول الاتحاد الأوروبي وهي جسر التواصل بين المغرب والمشرق العربي وبين أوروبا وأفريقيا السوداء، و يمكن كذلك أن تكون ليبيا أهم مراكز العبور الجوي للطائرات بإنشاء ثلاث أو أربع مطارات كبرى تضاهي المطارات العالمية توزع على مختلف المناطق الليبية تكون مركزا مهما لتغيير الوجهات بين القارات الثلاث ومن المعلوم أن خطوط الطيران الأوروبية (إلى وقت قريب) كانت تفضل عبور الصحراء الليبية إلى أفريقيا عن أي طريق أخر ويسمون هذا العبور (بالعبور الآمن) لان ليبيا أقامت العديد من القواعد الجوية في الصحراء الكبرى والتي بها مهابط تصلح لهبوط الطائرات الضخمة في حالة حدوث اعطاب أو حالات طارئة تستوجب ذلك، وتوفر هذه المشاريع في حال حدوثها عشرات الآلاف من الوظائف للشباب الليبي العاطل عن العمل حاليا والمتمسك بامتلاك السلاح .
كذلك من الأصول الثابتة المهمة للدولة الليبية (السطوع الشمسي) المستمر طوال أيام السنة مع وجود الصحراء التي تلامس البحر في المنطقة الوسطى (وهذه القيمة الايجابية العالية لا توجد إلا في ليبيا) كل هذا يعطي لليبيا إمكانيات إنشاء منطقة صناعية ضخمة لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية ويمكن استخدام جزء من هذه الطاقة الشمسية لتحليه مياه البحر للحصول على مياه عذبة شبه مجانية من مصدر لا ينضب هو البحر يمكن من خلاله ري كل المشاريع الزراعية ويمكن من خلالها تصدير الكهرباء الرخيصة إلى الاتحاد الأوروبي عبر كوابل بحرية، والتي توفر فرص ضخمة للشباب الباحث عن العمل .
من الأصول الثابتة للدولة الليبية المدن الأثرية الممتدة شرقا وغربا وجنوبا مع تميز واضح في السياحة الصحراوية و هنا لا داعي للشرح الكثير، فالجميع يعرف مكانة السياحة في الاقتصاد العالمي فهي المنتج الأول في اغلب اقتصاديات الدول المتطورة حتى النفطية منها .
لكن أهم أصول الدولة الليبية هو (الإنسان الليبي) حيث ينبغي الاستثمار في هذا الإنسان خصوصا أن السواد الأعظم من الشعب هم من الشباب الذي يحتاج منا أولا إلى أن نعيد له الثقة في بلاده التي فقد الثقة في نجاحها، وأن نغير بشكل جذري نظام التعليم السلحفائي المتخلف عن ركب الحضارة، وأن نوفر له الرعاية الصحية الجيدة ، عندها سيكون هذا العنصر من أهم عناصر تقدم الدولة الليبية .
لحدوث ذلك لابد من استقرار الدولة الليبية أولا، وانتهاء الحروب والنزاعات بين ابناء الشعب الواحد، ثم يأتي بعد ذلك دور التخطيط لاستغلال الثروات المتوفرة حالياً لإقامة هذه المشاريع الإستراتيجية الكبيرة التي ستحقق للمواطن الليبي الرفاهية والحياة الكريمة التي يستحقها فقد عانى كثيرا، أما إذا استمر الشقاق الحالي بين ابناء الوطن، فإننا سنقول وبصريح العبارة …على ليبيا السلام …