هبوا من كل حدب وصوب من مشارق ليبيا ومغاربها ، لم يطالبوا بتكليف رسمي ولا عهدة مالية ، لم يضعوا شروطاً تعجيزية ، لم يمرروا طلباتهم بورقات مختومة ، لم يساوموا على دم أخوتهم هم فقط لبوا نداء الواجب والوطن ، الاشتباكات الدامية التي استمرت في مدينة سبها بين الأخوة لم تتجاوز أسبوعين حتى راح ضحيتها عشرات الأبرياء والجرحى من الطرفين وباقي السكان ، وشلت حركة المدينة بالكامل وحكوماتنا الغارقة في دماء الليبيين حتى النخاع ، أكتفت ببيانات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع بل ربما كانت تغذي أحد أطراف النزاع بطريقة أو أخرى ، ربما لا يكون في سبها الواقعة على ضفاف جنوب ليبيا ما يسيل له لعاب المتصارعين على السلطة في طرابلس أو طبرق ، لكن حسابات الأعيان كانت مختلفة تماما ففي هذه البقعة دم ليبي ينزف بلا عدادات !!
وأخوة تقطعت أرحامهم وفقدوا فلذات أكبادهم وخيرة شبابهم في صراع الرابح فيه خسران ، فتكبد هؤلاء الشيوخ المسنين عنا السفر وويلات الدروب ( في ليبيا التي كانت كل طرقاتها ميسرة للغريب قبل القريب) .
وساروا في شوارع سبها والرصاص فوق رؤؤسهم ولا صوت يعلوا على أصوات القذائف ، واجهوا نيران الأخوة مجردين عزل إلا من الصدق ، الصدق الذي طلقته نخبتنا السياسية بالثلاث ، منذ امتطت عنوة سدة الحكم في بقايا ليبيا ، وفي وسط ذهول المتفرجين ، توقف إطلاق النار وسحبت القبائل المتناحرة قواتها ، سكتت البنادق ، كان العمل منظّماً بشكل مذهل ، والعزيمة على الصلح صلبة جدا حتى أن أحد أطراف النزاع لم يوافق على الصلح فهدد الأعيان بإعلان الحرب عليه دون إشاعة ذلك إعلاميا ، كانت مداخلات الأعيان عبر مختلف وسائل الإعلام حكيمة ومدروسة أظهرت الجوانب الايجابية من خطوات عملهم حتى خيل للجميع أنه لا خلاف أصلا بين الأخوة .
لم يصل الأمر لأسبوع حتى أنتزع أعيان ليبيا اتفاقية تعايش سلمي بين الأخوة بعد خلافات استمرت لأكثر من خمس سنوات تندلع فجأة وتنتهي بعد أن يسقط عشرات الأبرياء ضحية لها ، اتفاقية بمواثيق غليظة ودقيقة ومحكمة ، مع تعهد من الأعيان بالبقاء في المدينة حتى أتمام كافة بنود الاتفاق .
لا مجال للمقارنة بين أعيان ليبيا والموجودين على سدة الحكم فيها فقد أحرج هؤلاء الشيوخ الانقياء ساستنا الملطخين بزيف مصالحهم بما فعلوه في سبها .