أفعالُنَا تترجم حبِّنَا لوطنِنَا …!!

أفعالُنَا تترجم حبِّنَا لوطنِنَا …!!

د- احمد السيد

الصدقِ والأمانةِ  والإخلاصِ والتقوىِ وغيرِهَا مِن الصفاتِ الحميدةِ، تدلُّ على سلوكِ المسلمِ الوطنِي الصحيح ، وإنَّ الوطنيةَ الحقةَ قيمٌ ومبادئٌ ونصيحةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ ونهيٌ عن المنكرِ، وعزةٌ وموالاةٌ وتضحيةٌ وإيثارٌ، والتزامٌ أخلاقيٌّ للفردِ والأمةِ، إنَّها شعورٌ بالشوقِ إلى الوطنِ حتى وإنْ كان لا يعيشُ الفردُ في مرابعهِ        

 كما قالَ شوقي:

وطنِي لو شغلتُ بالخلدِ عنهُ  ***  نازعتنِي إليهِ بالخلدِ نفسِي

فأينَ هؤلاء الذين يدّعونَ حبَّ الوطنِ والوطنيةِ ولا ترى في أعمالِهِم وسلوكياتِهِم وكلامِهِم غيرَ الخيانةِ والعبثِ بمقدراتهِ، والعمالةِ لأعدائهِ، وتأجيجِ الفتنِ والصراعاتِ بينَ أبنائهِ، ونشرِ الرذيلةِ ومحاربةِ الفضيلةِ!!

 أين الوفاءُ للأرضِ التي عاشُوا فيها وأكلُوا مِن خيراتِهَا، وترعرعُوا في رُباهَا، واستظلُّوا تحتَ سماهَا، وكانت أرضَ الإيمانِ والتوحيدِ والعقيدةِ الصافيةِ!!

قيل لأعرابيٍّ: كيف تصنعونَ في الباديةِ إذا اشتدَّ القيظُ (الحرُّ) حين ينتعلُ كلُّ شيءٍ ظلَّهُ؟! قال: “يمشِي أحدُنَا ميلًا، فيرفضُ عرقًا، ثم ينصبُّ عصاهُ، ويلقي عليها كسَاهُ، ويجلسُ في فيهِ يكتالُ الريحَ، فكأنَّهُ في إيوانِ كسرى”. أيُّ حبٍّ هذا وهو يُلاقِي ما يُلاقِي!!                                           إنَّه يقولُ: أنا في وطنِي بهذهِ الحالةِ مَلِكٌ مثلُ كسرَى في إيوانهِ.

إنَّ الوطنيةَ الحقيقيةَ لا تحتاجُ لمساومةٍ، ولا تحتاجُ لمزايدةٍ، ولا تحتاجُ لشعاراتٍ رنانةٍ، ولا تحتاجُ لآلافِ الكلماتِ، أفعالُنَا تشيرُ إلى حبِّنَا لوطنِنَا، حركاتُنَا تدلُّ عليهِ، حروفُنَا وكلماتُنَا تنسابُ إليهِ، أصواتُنَا تنطقُ بهِ، آمالُنَا تتجهُ إليهِ، طموحاتُنَا ترتبطُ بهِ، لأجلِ أرضٍ وأوطانٍ راقتْ الدماء، لأجلِ أرضٍ وأوطانٍ تشردتْ أممٌ، لأجلِ أرضٍ وأوطانٍ تحملتْ الشعوبُ ألوانًا مِن العذابِ، لأجلِ أنْ نكونَ منهَا وبهَا ولهَا، وإليها مطالبونَ أينمَا كنَّا أنْ نحافظَ عليهَا !!

يروى أنَّه عندما تقدَّمَ نابليون نحو الأراضِي الروسيةِ بقصدِ احتلالِهَا، صادفَ فلاحًا يعملُ بمنجلهِ في أحدِ الحقولِ، فسألَهُ عن أقربِ الطرقِ المؤديةِ إلى إحدَى البلدانِ بعدَ أنْ أعلنَ له عن شخصيتهِ، فقالَ له الفلاحُ ساخرًا: «ومَن نابليون هذا ؟!.. إنَّنِي لا أعرفهُ!». فقال نابليون غاضبًا: «سوف أجعلُكَ تعرفُ مَن أنا». ثم نادى أحدَ الضباطِ وأمرَهُ بأنْ يصهرَ قطعةً مِن المعدنِ على هيئةِ حرفِ «N» الذي يبدأُ بهِ اسمُ نابليون حتى درجةِ الاحمرارِ ثم يلصقُهَا بذراعهِ اليسرَى.

وبعدَ أنْ تمَّ لنابليون ما أراد، هوى الفلاحُ بالمنجلِ على ذراعهِ مِن عند الرسغِ وقطعَهَا، وقال لنابليون والدمُ ينزفُ منه: «خيرٌ لي أنْ أموتَ أو أحيَا بذراعٍ واحدةٍ مِن أنْ أعيشَ بجسمٍ تلوثَ بالحرفِ الأولِ مِن اسمِكَ.. إنَّنِي وما أملكُ لبلادِي».

ذهلَ نابليون مِن ردِّ فعلِ هذا الفلاحِ، فصاحَ في جنودهِ أنْ يحضرُوا الزيتَ، ويقومُوا بغليهِ، ويغمرُوا البقيةَ الباقيةَ مِن يدهِ فيه، لإيقافِ النزيفِ، قائلًا لهم: «حرامٌ أنْ يموتَ رجلٌ يملكُ هذه الشجاعةَ وهذه الوطنيةَ»، لكنهُم إلى أنْ أحضرُوا الزيتَ وقامُوا بغليهِ كان الفلاحُ قد نزفَ دمًا كثيرًا، وما هي إلَّا دقائقٌ حتى لفظَ أنفاسَهُ.

وحزنَ نابليون عليه حزنًا شديدًا لدرجةِ أنَّه أمرَ بحفرِ قبرٍ لهُ يدفنُ فيهِ، ومكثَ في المكانِ نفسِهِ عدةَ أيامٍ، وقبلَ أنْ يغادرَ وضعَ قبعتَهُ الشخصيةَ على القبرِ وتركهَا تكريمًا وتقديرًا لذلك الفلاحِ الجريءِ، وأمرَ قواتِهِ بأنْ تتجاوزَ تلك القريةَ ولا تدخلهَا أبدًا.

ان الوطنِ الذي نعيشُ فيهِ، يجب الحفاظِ على معالمِه وآثارهِ ومنشآتهِ العامةِ والخاصةِ، والحفاظِ عليه وعدمِ الإفسادِ في أرضهِ، أو تخريبهِ وتدميرهِ، وعدمِ قتلِ جنودهِ وحراسهِ الذين يسهرونَ ليلَهُم في حراستِنَا وحراسةِ أراضينَا!!

والذين تمتدُّ إليهم يدُ الغدرِ والخيانةِ بينَ الحينِ والحينِ …

إنَّ الوطنيةَ الحقيقيةَ أنْ يُضحِّي كلُّ فردٍ في المجتمعِ بحسبِ عملهِ ومسئوليتهِ، فيضحِّي الطبيبُ مِن أجلِ حياةِ المريضِ،                    ويضحِّي المعلمُ مِن أجلِ تعليمِ الأولادِ،                                 ويضحِّي المهندسُ مِن أجلِ عمارةِ الوطنِ،                                  ويضحِّي القاضِي مِن أجلِ تحقيقِ العدلِ،                                 ويضحِّي الداعيةُ مِن أجلِ نشرِ الوعيِ والفكرِ الصحيحِ وتصحيحِ الأفكارِ المنحرفةِ المتطرفةِ،                                                                                          ويضحِّي الأبُّ مِن أجلِ معيشةٍ كريمةٍ لأولادهِ،                             ويضحِّي الجنديُّ مِن أجلِ الدفاعِ عن وطنهِ،                                              ويضحِّي العاملُ مِن أجلِ إتقانِ عملهِ،                                         وتضحِّي الأمُّ مِن أجلِ تربيةِ أولادِهَا ..إلخ .

 إنَّنَا إنْ فعلنَا ذلك فإنَّنَا ننشدُ مجتمعًا فاضلًا متعاونًا متكافلًا، تسودُهُ روابطُ المحبةِ والإحسانِ وجميعُ القيمِ الفاضلةِ.

نسألُ اللهَ أنْ يرفعَ عنَّا الغلاءَ والوباءَ، وأنْ يصبَّ علينَا الخيرَ صبًّا، وأنْ لا يجعلَ عيشنَا كدًّا، وأنْ يحفظَ بلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :