قراءة مبروكة الأحوال
عندما تستدير سُفرة الإفطار ، تصبح عالماً جديداً طازجاً يباغتك ( بلون التراب) في كناية سخية عن امتلاك كل روح لأرض تكاثفية (الزمن) ، تبذر فيها ماتشاء في صباح يبدو وكأنه يوم الخلق الأول
. فأنت أيها الناظر المسؤول عن بذر كينونتك ( الإنسانية) في طين الوجود مع كل نهار
! وأنت الملتقي المنعكس في سفرة الإفطار : يرويك بياض الحليب – وحمرة الإبريق بمزاج تناغمي يعكس رؤاك الوجودية في ( التماع البياض العدمي / و تدرجات الحمرة المُحلِلة ،الدامجة للعناصر )
. يغري العين هذا الانفصال الظاهري للإبريق الأحمر الذي يمثل جوهر النار الخلاقة التي تستخلص الشاي و تنضج الخبز لتمدنا ب (طاقة الحياة) وتدفعنا للإيغال في الغد ، بينما تحن علبة الحليب بانعكاساتها المزرقة لماء الأصل. إن استقلال كائنات سفرة الإفطار المجتمعة لايعدو يوتوبيا الحالم .. فسرعان ما ستمزج اليقظة بياضنا بحمرتنا و ( حليبنا بشايينا ) .. في دلالة حكيمة على أن جوهر الحياة ليس السكون النقي بل (مايشوبنا) في هذه الرحلة! تستدير السفرة بما حملت على بساط الزرقة الأم ، وفي هذه النوستالجيا الساكنة ينتظر الكأس و الفنجان الزجاجيان الفارغان الامتلاء برفقة أليفة في ظل الانسكاب الدافئ .. ينتظر الكأس و الفنجان الشفافان أن يجهرا بما انسكب في جوفهما دون مواربة ، إنه أمان الانكشاف للآخر في سلام اللحظة رغم اختلاف المحتوى !
تطل باتجاه القلب الملعقة الفضية الصغيرة ؛ أداة المزج التي تغّير وتدمج كائنات سفرة الإفطار المعتادة ، إن حركة الملعقة ( الدوران ، والتمسح) هي (قوة الفعل) الذي يصبح محركا” للوجود بشكل ما ، وهي صانعة المتعة في سطوة العمى اليومي ، الذي يصيب الروح ، فنعجز عن إبصار التفاصيل الصغيرة المدهشة التي تعني الحياة بدءًا” من استدارة سُفرة الإفطار !
