أمِيضرَانْ (التّـفْـكِـيـر)

أمِيضرَانْ (التّـفْـكِـيـر)

كتب :: محمد الطيب

أزِفت أشعة القادم ، ولانت ملامحه ، شُربت أكداس القهوة باكرا على خبر قرب قدومه ، تسابقت مُخرجات الشوق بلهفة لمشاهدة هذا الموعود المنتظر ، بدا للجميع التفاؤل بقرب”الفرجكان الشاب” إدّرْ ” من بين الذين أطلقوا عنان الاحتفال بالقادم بتبجيل يليق به ‘ فقد رأى نفس الأمارة بمخيلته ، “كل توخيرة فيها خيرة، مثلما يقول الطيبون الكادحون تماماً، ضُمدت نفسه بها ، تباهى بطريقة سامية مزيفة، إذ أنه يمتلك سموا وجدانيا يجعل منه إنساناً لا يكترث لمجريات الأمور ويكتفي بمقولته السابقة ، ، قام إدّرْ من مقعده وأزاح قِدر القهوة من على الموقد ، بعد غليٍ لابد أنه كان أكثر من اللازم المعتاد ، وفي شرود توجه إلى الخارج، لم يلبث مقعده طويلا حتى طافته رائحة شايٍ طيب ، أدرك أنَّ جاره مستيقظ فلا شك أن الروائح الصحراوية تنبعث من بيت الجار المنعزل دائما ، وأدرك أيضا أنه يفضل ” آتاي” عوضا عن القهوة المنسية ، تبع رائحة الشاي ، أوصلته إلي جاره الأعزل ” أمنار ” ، ألقى عليه تحية مختصرة و بليغة بعبارة مَادَّفَوْ*” بادله المعتزل إيها، ودعاه إلى أن يشاركه جلسته الأدبية ،وافق إدّرْ بإيماءة رأسه بالإيجاب ، و تحت شجرة “أجّين” المتواجدة بين المنزلين ، ساد الهدوء المبالغ بين الجليسين مدة، ربما هو تأثير من دراما الشاي السامية ، ربما طقوس الشاي لها علاقة …، خرق أمنار هدنة الصمت سائلا عن أخبار البلاد اليوم ،لم يستلم أمنار أي إجابة من نذيره ، وبعد بضع دقائق ناول أمنار جليسه كأسا من الشاي المرغوى ، احتسوا “آتاي” معا ،أشعلوا السجائر معا، أطفؤوها معا، قاموا معا إلى الخلاء ، مضى كل منهم في سبيله في الخيال ، بحثا عما يثير انتباه وجذب المرء في الشعائر الصحراوية وخصوصا “آتاي” ،تأملوا كثيراً في السر، حاولوا معرفة سر الصحراء ،ولكن الصحراء أطلقت وحيا في خيالهم أنهم غرباء ، وهل يقال السر للغرباء ! ، ضحكت قوافل الجن و أسراب المواشي حين سماعها بالنبأ ، قال أحد شيوخ الجن بنبرة اتصفت بالحكمة ؛إن كان المرء عازما على معرفة أمر فلن يطول انتظاره ولكن ثمن معرفة السر باهظ. وهل ثمة شيء ليس باهظ الثمن في الصحراء ، المبيت في الخلاء ليلة واحدة كفيل بأن يجعلك تنسى أمر شقتك في المدينة ، وتتمنى أن لا تسمع أي خبر عنها ،الأجساد في الصحراء ليست تتواجد مثل ما تتزاحم في المدن ، الأروح وحدها متواجدة في صحراء “تينيري” ،أو بالأحرى الأجساد لا تسافر إلى الصحراء ، لأن تذكرة السفر داخل الصحراء لا تهبها الطبيعة إلا للروح التي تشعر بصخب الصحراء ، وتسمع أنين الشهداء الذين ضحوا في فترة امتحنت فيها نفوس الرجال . الشهداء الذين سقطوا ولم يتحدث عن وفائهم أحد ، الشهداء الذين لبوا نداء البادية الشهداء الذين دافعوا من أجلنا الشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن من أجل مستقبل آمن لأولادهم . ولأن هذا العالم لا يرى بالعين المجردة النتائج التي أحدثتها عزيمة هؤلاء الرجال ،فإنه لا يأبه لأمرهم سواءً كافحوا أو لم يكافحوا ، عالم يستصغر الجهد ولا يعطي أهمية للعمل الإنساني مادام ذالك العمل لم يجنِ نتائج وافرة “حسب تفكيره الضيق” ، و لا يشعر بالأبناء إلا إذا قمع طموحاتهم

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :