الحق في الرحيل.. (أحكِ لنا يا شهرزاد..)

الحق في الرحيل.. (أحكِ لنا يا شهرزاد..)

 بقلم: د. وليد جاسم الزبيدي. المحاويل/ العراق.

إحكِ لنا ياشهرزاد..!!

هكذا ستحكي لنا (إسلان) حكايتَها التي كان شاهدُها الوحيد حبيبها وزوجها  القاتل (فؤاد الزموري) الكاتب السرّي أو الكاتب الشبح وصحافي علني. إنه أسلوبٌ جديدٌ يختلفُ عن الروايات السابقة.. لقد كان المطبخ وفنون الطهي وأنواع الأكلات هي الثقافة والتراث المتنوّع؛ كتنوّع الألوان والذوق والتذوّق؛ لقد كانت علبة التوابل تفوح بعطرها المتنوّع على أرجاء الصفحات بل تملأ المكان الذي أنت تقرأ فيه؛ فهي علبةٌ كألبوم الصور انتقت فيه مختلف روائح التوابل من أقطار ودول شتى؛ أنها قوارير الحياة. تقفُ أمام طبّاخةٍ تعشق كل فنون الطبخ القديم والحديث وتضيف له لمستها وبصمتها الخاصة ليكون توقيعاً باسمها واسمها فقط.وهكذا تأكل من عندها: ((البسطيلة بالدجاج؛ طاجين البرقوق باللوز؛ الزّعلوك؛ ثم البرتقال بالقرفة والسكر؛ فالشاي بالنعناع..

إنها سفيرةُ بلدها بحق لأنها تحمل بين يديها وفي أعماقها تراثه وتترجمهُ على الواقع لتجعل كل شيء يتحدّثُ عن نفسه.وهي تعكسُ في حديثها ولباقتها وسحر حديثها الذي لا يُمل؛ هوس الشباب والناس أجمع بمباراة كرة القدم بين ناديين اسبانيين؛ ثم تلفتُ حيناً آخر كي تصوّر الشارع العربي ولتضيء جانبا من الصراع السياسي وما درج على تسميته(الربيع العربي) لتضع اسم البطل الشعبي التونسي الشاب(محمد البو عزيزي) وهو بائع متجوّل للخُضر.ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقضية الإرهاب الدولي..

(إسلان) معَ كل لحظةٍ تستفزّ الكاتب الشبح؛ أن يكون الكاتب الحقيقي ويميط اللثام والقناع عن وجهه وليكتبَ حكايتها لتكونَ صرخةً يسمعها ويقرأها العالم. فهي تقولُ لهُ: ما رأيكَ في أن أحكي لكَ قصّتي؛ علّني أكونُ إحدى بطلات رواياتك المقبلة؟. وفي حوارٍ آخر حول الكتابة: ..وكأنّ لابدّ للكتابةِ من موتٍ حتى تتحرّرَ من سجنها..!؛ ومن أقوال كونديرا في الرواية: ((الروائي يهدمُ بيتَ حياتهِ ليبني بحجارتهِ بيتاً آخرَ؛ بيتَ روايتهِ.وها هو الكاتب يستدركُليقول: ها أنا دونَ نيّةٍ مسبقةٍ؛ أهدمُ بيتَ حياتي على ورقٍ لتقرؤوه.!!

وهكذا تزّينتِ الروايةُ بحكايا متنوعة وليست حكايةً واحدةً؛متنوعة قلنا كما هو حال تنوّع الأكلات والطبخ والتوابل.. وتنوّعت الأحداث حيث لا ملل ولا فتور بل يتزايد اللهف لمعرفة الأحداث وتواليها وتصاعدها..وهكذا تنعكس هذه التغيرات والألوان باختلاف الأماكن والجغرافية؛ حيث تمتدّ الخريطة بل الخرائط بين مدنٍ وقرى مغربية؛ وثمّة مدنٍ أوربية في انكلترا ففرنسا..تأخذك لمزارات الأولياء والصالحين ولأزقةٍ شعبيةٍ ثم تنقلك الى شوارع باريس ثم الى حديقة الهايدبارك في لندن..

مع كل جديد؛ وفي كل رواية تضعُ الروائية حالةً مرضيةً تحاول معالجتها باسلوبها الخاص وتدخلها غرفة العمليات الخاصة بها على ورق وسطور لتبدأ مع مبضعها- القلم تشريح مكان العلّة بعد التشخيص والتحليل. فهنا يشتبك كل محظور في ثالوث خطر: الشرع(الدين)؛ القانون المدني؛ الطب.

حالةٌ مرضيةٌ مستعصية يقفُ أمامها الدين والقانون وأخلاقيات وقسم الطب حائلاً في معالجة الحالة؛ تدلنا وهي الخبيرة في مجال المهنة(الطب) على حالات يواجهها الإنسان تحت أي عنوان في الحياة بحالاتٍ ميؤوس منها؛ في حالات يمكن للطبيب البيطري أن يتخذها مع الحيوان لإراحته وتخفيف معاناته؛ ويمكن للجلاد أو القاتل مهما كانت صورته البشعة وتحت أي عنوان؛ يبيح لهُ الشرع والقوانين المدنية{المتحضرة} أن يطلقَ عليه رصاصة الرحمة لينهي حياته ويريحه من الصراع بين الحياموت.

ها هي (أسلان) الحبيبة؛ توصي زوجها في حال تدهور وضعها الصحي؛ وبعد قطع اللسان؛ ما الذي يفعلهُ الإنسان؟؟؛ اللسان هو الصوت؛ هو الصرخة؛ هو الإحتجاج؛ هو الكائن الذي لا يمكن تجاهلهُ؛ هو الذي يرعبُ عوالم الدمار والخوف؛..بعد أن تتوقف عن الكلام؛ ما قيمة الحياة؟ وكيف تستطيع أن تفلسف أمورك وأفكارك؟ وكيف ستدافع وتبحث عن الحقيقة؟ وسط زحامٍ وصراخٍ يطبق السموات على الأرضين!!؛ لقد وجدتْ أن الحياة بعد فقدان الصوت والتعبير عن المرارة والعشق قد توقفت لا بدّ أن تتوقف عن حياة الإنسان.. رسالةٌ انسانيةٌ أخرى توجّهها لنا وللعالم أن نحث الخطو باتجاه العالم وما توصّل من اتخاذ قرارات وقوانين لصالح حقوق الإنسان بل وحقوق الحيوان بل وحقوق البيئة جميعاً.

لقد امتزجت الأغاني المغربية الشعبية؛ والثقافة الأمازيغية؛ والتلون في المأكولات والتوابل ليتنوّع مع الموقف والموضوع؛ ولنستظل بين صفحةٍ وأخرى بموقف جديد؛ وعطرٍ لا يتكرّر.. فتشكّلت مع كل قارورة من التوابل حكايةً من حكاياتها(حكاية يامنة الأم؛ حكاية الشاف الياباني؛ حكاية ربيعة؛ حكاية حميد مع لالة غيثة؛ حكاية يوسف مجنون شامة؛ حكاية رشيد ووفاء؛..)؛ وبين هذا وذاك تعلو أغنية ناس غيوان؛ ويسوحُ شعرُ محمد خير الدين . وشفرةٌ سريعةٌ ترسلُ بين السطور كيف تحوّل الكاتب الشبح إلى كاتب حقيقي ينقل كل أفكاره ورؤاه ليهدم بيته الحقيقي ليبني بيتاً آخر في روايته.

فحين توقّفَ قلب (أسلان) بعد معاناة وقهر؛ هل هو جريمةٌ أو حقٌ مشروع للتخلص من موتٍ يومي يخنقها ويعتصر كرامتها؟ الرواية تضعُ اسئلةً وتطرحُ مشروعاً جديداً على الجميع أن يقف عنده ويضع اجابته بكل صدق ومسؤولية. فهل كان الرحيل حقيقاً أن يحدث أم سيظل جريمة يحاسب عليها القانون ويعاقب عليها الشرع؟ أم أنها حياة وحرية جديدة بعد رحيل؛ وحياة جديدة لكاتبٍ بدأ يطلق العنان لقلمه ولسانه الذي فقده. إنها جدليةٌ بين حياة ولسان مواطنة سخّرتْ لسانها لتذوق أطيب وألذ أكلات العالم في أرقى المطابخ ومدارس الطبخ العالمية؛ وبين لسان آخر كان قد بيع من قبل أو رُبطَ ليكون صوتاً للآخر لكاتب وروائي (الكاتب الشبح).. لسانان يبحثان عن الحرية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :