أنظمتنا السياسية وصيرورة التاريخ

أنظمتنا السياسية وصيرورة التاريخ

سالم الحريك

 أنظمة الحكم مختلفة وطبيعتها تتغير حسب التغيرات الدولية والمشهد الدولي بشكل عام لأن طبيعة المجتمعات والدول تمر بنفس المراحل والتحديات ما يفرض عليها أنماطا جديدة للتعامل مع هذه المتغيرات للحفاظ على الاستقرار العام للدولة والمجتمع. فالأنظمة العسكرية التي كانت صالحة للحكم في فترة ما بعد الاستعمار والهيمنة الغربية لم تعد صالحة للحكم اليوم.

فالحكم العسكري والبيروقراطية المفرطة والمصير المعلق بقيادة واحدة وبزعامة واحدة تكن صالحة في فترة من الفترات التي تمر بها المجتمعات ولكن ليس بالضرورة أنها صالحة على طول المدى. فالمجتمعات والدول تنمو وتتطور كما ينمو الطفل في مختلف مراحل حياته وما يرتديه من ثياب في مرحلة الطفولة والمراهقة لا يمكن أن يرتديه في مراحل النضج والشباب. وما يعيب مجتمعاتنا وأنظمتنا هو أننا نريد أن نفرض نفس نمط الحكم وبنفس العقليات في كل العقود دونما مراعاة لتغير العقليات وتبدل الحال والأحوال ودون مراعاة لأبعاد العولمة وتأثيراتها الحتمية.

فالقادة العسكريين هم أبطال ورموز لشعوبهم في فترة من الزمن اقتضت ذلك ولكنهم سرعان ما يتحولون إلى رمز من رموز الديكتاتورية والتسلط ما إن يتجاوزوا ذلك العمر الافتراضي الذي كان وجودهم فيه أمراً ضرورياً للغاية. بعض الجيوش العربية والمؤسسات العسكرية العربية اليوم أصبحت أحزابا سياسية تمتلك القوة والسلاح وتفرض نفسها وحكمها غصبا عن الجميع وهذا الضغط قد يؤدي إلى الانفجار في أي لحظة وهو أمر طبيعي للغاية لمن له أدنى معرفة ودراية بحركة التاريخ وبعلم السياسة ومقتضيات الزمن.

وإننا لا نخص بحديثنا هذا فقط المؤسسات العسكرية بل كل من امتلك القوة والنفوذ للتحكم بزمام الأمور في بلداننا العربية وهما عادة لا يخرجان عن الطابع العسكري والأمني وعلى الجانب الآخر التيارات ذات النزعة الإسلامية بمختلف أيديلوجياتها وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والتي تلاقي دعما وتعاطفاً دوليا تارةً يوصلها إلى سدة الحكم وسخطاً شعبيا داخليا تارة أخرى يطيح بها وبالمقابل يكون داعماً لمن يمتلك القوة والنفوذ في كبح جماح هذه الجماعة وإخراجها من حسابات الشعب والسلطة حتى وإن كانت مسارات وصول كل هؤلاء إلى السلطة ديمقراطية كما يراها البعض.

وفي إطار ذلك الصراع المحتدم والذي أصبح يشكل الجزء الأهم والظاهر اليوم من أقطاب المعادلة السياسية في المنطقة نجد حالة من التيه الكبيرة التي تعانيها التيارات المدنية ذات البعد الإنساني والتي تؤمن بأن الإنسان أولاً وتتعامل مع الجميع على حد سواء دون إقصاء أو تهميش إلا وفق معادلة عادلة يرضخ لها ويقر بها الجميع تجعل من قاطرة هذه البلدان تسير في الاتجاه الصحيح لعلها تصل إلى شواطئ الأمن والرفاهية والاستقرار.

فمن أهم الإشكالات المفصلية اليوم هو عدم فهم مقتضيات المرحلة وصيرورة التاريخ وأدوات اللعبة السياسية ممن هم على سدة الحكم وبالتالي يحكمون مجتمعات اليوم بمنطق و ثقافة الأمس ويخاطبون مجتمعات اليوم بلسان حُكَّام الأمس وبالتالي ما أحوجنا اليوم لفهم آليات ومستجدات العصر والتعامل معها كحقيقة اجتماعية وإنسانية لابد منها فإما أن نتعامل معها بمرونة وانسيابية حفاظاً على تماسك الدول والمجتمعات والخروج من هذه الحالة بأقل الأضرار وإما أن نقف بعقولنا وعواطفنا عند مرحلة من مراحل التاريخ وعندها لن نصمد أمام رياح العولمة والتغييرات المختلفة القادمة لا محاله.

عندها لن نبقى على ما نحن عليه ولن نصل إلى إيجابيات ما وصلوا إليه وستستمر دائرة التاريخ في دورانها بنا في هذه الحلقة المفرغة التي كلفتنا وستكلفنا الكثير والكثير من الانهيار وعدم الاستقرار وهو الحالة الضرورية والمنشودة حتى تنمو مجتمعاتنا في مناخ ثقافي واجتماعي و سياسي صحي يصل بالجميع إلى بر الأمان.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :