المستشارة القانونية : فاطمة درباش
معنى التظلم الإداري عدم رضا صاحب الشأن بالقرار الذي علم به بواسطة النشر أو الإعلان أو العلم اليقيني، فبادر بكتابة هذا على شكل تظلم وأرسله للإدارة مصدرة القرار أو لرئيسها طالباً إعادة النظر فيه وسحبه أو إلغائه. من المبادئ المستقرة في نطاق القانون الإداري أن المصلحة العامة تتفوَّق على المصالح الخاصة، وعلى هذا الأساس تقوم الإدارة العامة، في معرض تسييرها للمرافق العامة، باتخاذ قرارات إدارية هي سبيلها لوضع المصلحة العامة في حيّز التطبيق الفعلي.
إذًا التظلم أن هناك قراراً إدارياً معيباً أو على الأقل غير ملائم في نظر الشخص المتضرر من هذا القرار. وهذا يستوجب أن ينصب التظلم على قرار إداري معَّين، وأن يكون قائماً على سبب يدل على ما ورد في موضوعه ويُمكّن الإدارة المختصة من استقاء عناصر المنازعة على نحو يُمكِّنها من فحصه، فمصدر القرار من حقه – حال علمه بعدم مشروعية قراره – أن يصحح قراره ويطهره من العيوب التي لحقته ، بل يعد ذلك أفضل من إلغاء القرار قضائياً،إذ أنه بذلك قد أظهر احترامه للقانون، وأعاد للمتضرر حقوقه دون إجباره على الذهاب إلى القضاء.
وهذا هو المفروض أصلاً في مصدر القرار ؛ وهذا الحق ليس مطلقاً ، وإنما مقيد بذات مواعيد الطعن بالإلغاء. أما عن ميعاد الطعن بالقرار الإداري لا يبدأ في السريان إلا من تاريخ النشر إذا كان عاماً أو من تاريخ التبليغ إذا كان فردياً، بالإضافة إلى العلم اليقيني للمتظلم إذا ثبت بأنه كان على علم شامل بمحتويات القرار، لأن العلم اليقيني هنا يقوم مقام الإعلان لصاحب الشأن.
وهذا يعني بأنه يتوجب على المتظلم أن يُضمّن تظلمه عبارات واضحة محددة للأسباب التي دعته إلى التظلم من قرار إداري معيب معَّين، وإلا فإن للإدارة أن ترفض أي تظلم يتضمن عبارات عامة ولا ينصب على قرار معيَّن لأنه يُنبئ بجهالة رافع التظلم ومن ثمّ يكون هذا التظلم غير منتج لآثاره القانونية.
فصاحب الشأن إذا ما توجه فور سماعه وعلمه بالقرار بالوسائل التي حددها المشرع والقضاء وخلال ميعاد الستين يوماً إلى مصدر القرار أو رئيسه ووصل إليه تظلمه بشخصه ، أو بالبريد أو بأي وسيلة أخرى ، فهذا معناه أنه لم يهمل في حقوقه ، بل على العكس هو مستعد للمطالبة بها وحريص على الوصول إليها ؛ ولذلك قرر المشرع والقضاء انقطاع الميعاد من يوم وصوله للجهة الإدارية إلى أن يبث في طلبه بالشكل المحدد قانوناً.
كما لا يدخل في التظلم مجرد طلب صاحب الشأن بيان أسباب القرار الإداري الذي صدر فيه ، ولو كانت الإدارة ملزمة بتسبيب هذا القرار بمقتضى نص تشريعي أو لاستقرار القضاء على ذلك ،وهناك استثناءات على هذه القاعدة ،إذ في حالات معينة يحدد المشرع أن بعض القرارات الإدارية لايجوز سحبها أو تعديلها أو إلغاؤها من مصدر القرار أو رئيسه وعلى ذلك فالتظلم من هذه القرارات يصبح أمراً غير مُجدٍ ولن يؤدي في النهاية إلى شيء يذكر وعلى ذلك لا يجوز التظلم منها.
والتظلم الإداري نوعان: تظلم اختياري وتظلم إجباري ؛التظلم الاختياري هو الأصل ؛ فالتظلم ــ أصلاً ــ متروك لتقدير ذوي الشأن ولا إكراه أو إجبار ــ كمبدأ ــ على القيام به ؛والاستثناء أن يكون التظلم إجبارياً حيث يقدر المشرع في ظروف معينة وحالات محددة ، جدوى وضرورة التظلم فيتطلبه جبراً قبل تحريك الدعوى. فبالإضافة لعنصر الإلزام في التظلم الثاني نجد أنه لا يجوز مطلقاً رفع الدعوى قبل إجرائه ، فهو دائماً سابق على تحريك دعوى الإلغاء ، أما التظلم الاختياري فهو كما يكون سابقاً على رفع الدعوى يمكن أن يكون لاحقاً عيها ، وتقبل دعواه مادام تم رفعها في الميعاد. وليس لزاماً على المتظلم أن يقيم تظلمه على الأسس القانونية التي يقدمها في دعوى الإلغاء وإنما يكفي في التظلم أن يستند إلى عبارات العدالة ،و الملاءمة ويتم أثره في هذه الحالة كما أن ميعاد التظلم هو ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به .
وبمضي هذه المدة يسقط حق الطعن بالإلغاء ويصبح القرار الإداري حصيناً من السحب أو الإلغاء بالرغم من عيوبه ويأخذ حكم القرار السليم. فالقرار الإداري يعتبر من الوسائل القانونية الهامة التي تستخدمها الإدارة و ذلك لتحقيق أهدافها فالقرار الإداري و التصرفات الإدارية الملقاة على عاتقها تحدث تغيرات في الوقائع القانونية للأفراد و هذا يؤدي بالتالي إلى إحداث مراكز قانونية جديدة مما يكون له التأثير في المراكز القانونية للأفراد و ذلك فإنه لابد من وجود نظام قانوني ينظم العلاقة بين الإدارة و الأفراد وذلك بما يخدم الصالح العام و مصلحة الجماعة.
فالإدارة إذا أصدرت قرارا و تبين لها بأنه معيب فيكون من حقها سحبه و الرجوع فيه و ذلك أثناء مدة الطعن القضائي و هي مدة الستين يوما و يتم سحبه إما بواسطة من أصدر القرار الإداري أو بواسطة السلطة العليا التي تعلو الجهة مصدرة القرار. فقيام الإدارة بسحبها للقرار المخالف للقانون فهذا يعطي الثقة و الاطمئنان للأفراد و كذلك حسم المراكز القانونية المضطربة و هذا يكشف عن مدى حسن نية الإدارة في احترامها لمبدأ المشروعية و إعادة الحقوق لأصحابها و بذلك تنفي الإدارة عن تصرفاتها إساءة استعمال السلطة أما إذا تقاعست عن رد تصرفاتها إلى جادة الصواب فإن القضاء سيفرض عليها ذلك.
وبناءً على ذلك فإن هذه القرارات تضع في الحسبان أولاً وأخيراً وجوب سير المرافق العامة بانتظام واطّراد، فضلاً على أن ضرورة استمرارية المرفق العام هي نقطة بالغة الأهمية؛على أن ما تتخذه الإدارة العامة من قرارات قد يمس من قريب أو بعيد حقوق الأفراد أو يخالف مبدأ الشرعية وعلاجاً لهذا الأمر أوجد المشرع للمتضرر مسلكاً ألزمه اللجوء إليه قبل اللجوء إلى القضاء، وهو «التظلم الإداري» الذي بموجبه يطلب المتضرر من الجهة التي أصدرت القرار، أن تَعدِل عنه، فإن رفضت يبقَى باب القضاء «المرجع الأصيل» مفتوحاً أمامه.