إشكالية السائد وتأسيس الوعي البديل (دراسة تنظيرية في كتاب “إسلام ضد الإسلام” للصادق النيهوم (2)

إشكالية السائد وتأسيس الوعي البديل (دراسة تنظيرية في كتاب “إسلام ضد الإسلام” للصادق النيهوم (2)

بقلم :: علي عقيل الحمروني

مفهوم الله وعلاقته بالإنسان

قراءة خلفية في فكر النيهوم

تقديم:

 إنه ليس بمقدورنا إطلاقاً أن نتصور أية محاولة فكرية يمكنها أن تحظى بقدر من ملامسة المعقول على مثل هذا الصعيد الذي يخوضه كاتبنا ، إلاّ وهي تتحرك – ولو على مستوى القشرة الخارجية للطرح – على إيقاعات الرابطة المعقودة بين المفهوم أو المنظور المحوري ( مفهوم الله تعالى وعلاقته بالإنسان ) ، وبين بقية القواعد والمبادئ والمفاهيم المراد إرساؤها بين ثنايا التصور المفترض . وذلك نظراً لما يحظى به هذا المفهوم من سلطان متعاظم على بقية المفاهيم والتصورات في البناء الديني برمته! هذا بغض النظر عما يمكن أن يعتري ضرورات الممارسة – من جراء هذا السلطان على صعيد المعرفة الموضوعية – من نجاحات أو إحباطات  ولهذا فلا غرابة في أن نجد أن كاتبنا مضطر هو أيضاً لتأسيس تصوره الخاص عن هذه العلاقة ، وذلك لوعيه التام بأن اقتحامه لهذا المعترك سوف لن يكون إلاّ مجرد لعبة هزلية إذا هو أحجم عن مثل هذا التأسيس و بكل تأكيد فإن ذلك لا يتلاءم أبداً مع ما عرف عن الكاتب من جد ومثابرة و نحن ندعي بأنه يمكننا بفعل القراءة التحليلية المتزنة والمتروية أن نؤسس قاعدتنا التصورية عن أفكار الكاتب إذا ما حاولنا أن نستكشف تصوراته عن طبيعة هذه العلاقة وما يؤسسها من مفاهيم، وما هي الخيوط التي تشدها بعضاً إلى بعض ، ودونما انخراط في حمّى الظنون والأوهام حول سلامة الكاتب أو عدم سلامته من التجذيف على الدين ، أو التطاول على جناب الرب تبارك وتعالى ومن ثم مقاضاته ومساءلته ، إذ إن مثل هذه الحالة ستفضي إلى الانحطاط بمستوى  التأهيل “النفسي والانفعالي ” الذي يشكل أحد الشروط اللازمة والضرورية  للقراءة  المتزنة و لذا فإنه من الأهمية بمكان أن نقرر منذ الخطوات المبكرة لهذا البحث بأن لكاتبنا تصوره المحدد عن الله سبحانه ، وطبيعة علاقته بمخاليقه ، وعن الدين ووظيفته ، وهو تصور يختلف في العمق مع التصورات السائدة في الثقافة الدينية الرائجة وعدم إدراك هذه الحقيقة الجوهرية يجعلنا في منأىً عن إدراك المبررات والدوافع الحقيقية لذلك الهجوم الصاعق الذي ما فتئ الكاتب يكيله للمفاهيم السائدة عن الدين والإله ، في شتى المناحي والاتجاهات ، الأمر الذي أظهره أمام الكثيرين في وضعية المجذف على الدين ،       المسائل لجناب الرب سبحانه ورسوله  !! و تلك – ولاشك – محصلة خطيرة ومؤسفة للغاية ، لأنها قد تأسست على مقدمات قائمة  على خلط شديد فيما بين المساس بِ ” التاريخي الإنساني ” والمساس بِ ” المقدس ”  فالأستاذ النيهوم إنما انطلق في هجومه لا من اعتبار أن ما يهاجمه هو ( ذات الدين الإلهي المقدس ) ولا من اعتبار أن من يتوجه إليه بالمساءلة هو الله تعالى شخصياً أو رسوله ، إنما من اعتبار أنه يهاجم ويسائل ما رآه – حسب وجهة نظره – حالة عربية ، كانت قد تكومت بكل أبعادها العشائرية وأنماط حياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والعقدية ، وتجاربها التاريخية في    جوف المقدس الديني ، مستفيدة بذلك من كل ما يتمتع به هذا ” المقدس ” من مكانة وديمومة وخلود في نظر المؤمنين .

فقد تم إذن احتواء التاريخ في قلب المقدس ، أو تم احتواء المقدس في قلب التاريخ ..لا يهم.. مادام المضمون لا يعبر إلاّ عن اختلاط المقدس بالتاريخ- حسب الأستاذ النيهوم –  فالمساءلة المعقودة هنا ليست للدين بمعناه الإلهي إنما هي مساءلة للدين البديل عن الدين الحق ، هذا البديل الذي صنعه العقل والمزاج العربي على مقاسه التاريخي بكل أبعاده الميثولوجية وآفاقه المعيوشة في إطار الزمان والمكان  وبطبيعة الحال فإن ما سيتم – حسب هذا التصور- هو بلورة النسخة النهائية لصورة الإله كمزيج غير محسّن من الميثولوجيا السلطانية الجامعة لسطوة سلاطين الزمان من بني أمية وبني العباس حتى سلاطين الأتراك السلاجقة ، وحكمة شيوخ العشائر البدوية الناطقين بالأسرار التي لا يعرفها أحد ولا ينتفع بها أحد !!

يتبع 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :