كرّ الحبل

كرّ الحبل

بقلم :: عبد الرحمن جماعة

أمام محل الغذائية.. كان صاحب المحل يتصارع مع مولد الكهرباء..

يجذب الحبل بكل قوته وبكلتا يديه.. واضعاً رجله اليُمنى على ظهر المولد..

كلما قام الرجل بجذب الحبل.. أصدر المولد هديراً خفيفاً ينبئ عن الرفض..

أو لعلها ضحكة استهزاء..

ثم يقوم المولد باسترجاع حبله من جديد..

كان الاثنان وكأنهما يلعبان لعبة (كرِّ الحبل).. العرق يتصبب من وجه الرجل البائس الغاضب..

عيناه تقدحان الشرر كولاعة فرغ منها الغاز ولم يبقَ لها إلا تلك الشرارة..  أو لعلها الشرارة الأخيرة التي تسبق الانطفاء.

يعضُّ بأضراس العقل على طرف ثوبه العربي.

الشمس الحارقة تصهد ظهره نصف العاري.. وبعضاً من مؤخرته التي انحسر عنها سرواله (العربي) أيضاً.

قطة مستلقية في ظل عمود الكهرباء القريب جداً من المحل، تراقب الحدث باهتمام، وتُحرك رأسها مع حركة الحبل، وفي نفس اتجاهيه.

وقفت قرابة خمس دقائق.. لعل المولد يهديه الله ويعمل.. كانت خمسُ دقائقَ خارج منطقة الزمن.. بعيدةً عن نسبيته.. كانت محسوسة.. ملموسة.. تعبق برائحة البنزين.. وعفن الرطوبة.. وقهقهة المولد الحارن..

خمسُ دقائق مُرَّة كمرارة لقمة العيش.. باهتة كبهتان اليمين الذي يحلفه المسؤولون في بلادنا وهم يضعون أيديهم القذرة على المصحف.

خمس دقائق (حرشة) كحروشة كلامنا حين نتخاطب.. بائسة كبؤسنا.. يابسة كرؤوسنا.. يائسة كيأسنا من الصلاح والإصلاح.. كابسة كسنواتنا المتشابهة.

خمس دقائق بلون الهزيمة، وبطعم البؤس، وبرائحة الخيانة، وبملمس ناعم أملس كملمس ذات الزُعاف.

خشيت أن أكلم الرجل؛ فينهال عليَّ شتماً.. أو ربما لكماً.. فأتحمل شيئاً من جريمة وزير الكهرباء.. أو جزءاً من جريرة المولد المُضرِب عن العمل.

آثرت الانسحاب..

غادرتُ بهدوء..

ناداني من خلفي:

  • شن تبِّي؟

  • شمع!

  • ما عندييييش.

الحمد لله.. عَدَّت على خير.

عُدت إلى البيت.. وأنا أقول في نفسي: “حتى الظلام ما عندك ما تقول فيه”

 

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :