إشكالية السائد وتأسيس الوعي البديل (دراسة تنظيرية في كتاب “إسلام ضد الإسلام” للصادق النيهوم (1)

إشكالية السائد وتأسيس الوعي البديل (دراسة تنظيرية في كتاب “إسلام ضد الإسلام” للصادق النيهوم (1)

 بقلم :: علي عقيل الحمروني

مقدمة

بداية، إنه لابد من أن نعترف منذ الخطوة الأولى بأننا سنكون بمنأىً عن مقاربة الإنصاف إن لم نقرر ابتداء أن محاولتنا هذه لا تعدو أن تكون مجرد متابعة وملاحقة لخطى الأستاذ الراحـل  ” الصادق النيهوم ” الفكرية من خلال كتابه ” إسلام ضد الإسلام ” لغرض مشاهدته عن كثب وهو يؤسس معاييره ويعقد أصوله وقواعده عبر أنماط محددة من التصورات والمفاهيم الثقافية والعقدية والمعرفية ، محاولين – بعمق – اكتشاف كافة الأبعاد الملائمة لاستمرارية الحوار والانفتاح على أفكار الكاتب  للوصول إلى تشكيل جسم متجانس للمواضيع المطروحة في الكتاب السالف الذكر ، من هنا فإنه لم يكن من غرضنا أبداً في هذه المحاولة استصدار أية أحكام أو شهادات في مواجهة ما توصل إليه الكاتب من نتائج أو محصلات أثناء ممارسته الفكرية على امتداد مساحة الكتاب ، لأن من شأن هذا السلوك الذي حرصنا على تجنبه أن يضعنا على حواف التورط في عطاءات قيمية تفرّغ بحثنا هذا من محتواه الموضوعي إلى حد الجفاف والتيبس ، لقد اخترنا لمصلحة القارئ المنحاز لشؤون الفكر والثقافة أن نسلك سلوك العـرض  التحليلي الذي لا يظهر لنا تعليق صريح ، ولا يبدو لنا نقد واضح قدر الإمكان ، فكاتبنا يقدم أفكاراً جديدة وهو لا يخفي ذلك أبداً ، بل إنه لا يخفي مخالفة هذه الأفكار للسائد المألوف حتى العظم ، وأكثر من ذلك فهو يؤكد بإصرار واعتداد لا غبش فيه هذه المخالفة على مساحة الكتاب الممتدة حتى نهايته ، إذن فذلك مفروغ منه بالقدر الذي لا يحتاج منا إلى أية تأكيدات جديدة هنا .. أما الانخراط في حمّى الأحكام القيمة ، وهو مطلب القارئ المنحاز للأيديولوجيا ، فإنه لن يقدم إلى سوق الفكر والثقافة إلاّ بضاعة مستهلكة ، سوف لن تضطلع بأي دور له معنىً سوى إثارة الكوامن الانفعالية والنفسية لهذا القارئ ، بما يؤزم قدرته على التواصل الإيجابي المرجو من ممارسة فعل القراءة ولا ينبغي أن يقع في الخاطر أن التوجه إلى هذه الأطروحة بالنقد والتعليق مهما كان متحلياً بالسماحة والانفتاح سوف يكون أوفر حظاً وأجمع نصيباً ، وذلك لسبب بسيط جداً ، وهو أن أية أفكار أو تصورات جديدة تتسم بهذه النشاز وعدم الملائمة للأنماط الفكرية أو الثقافية السائدة ، لا يمكن لها أبداً أن تحظى بأي نصيب من التسامح والتعاطف ، والتفهم من قبل القراء المندمجين في مثل تلك الأنماط ، مما يجعل من أي عمل فكري يتيمم بمجهوده شطر النقد والتقييم أول ظهور هذه الأفكار والتصورات مجرد مساهمة في إشاعة مناخات صالحة لنمو جرثومة التعصب والانغلاق في أوساط هؤلاء القراء على وجه التخصيص  و هذا بطبيعة الحال سوف يطيح – في الأغلب- بأية فرصة لالتقاط فكرة بعيدة أو تساؤل ما يمكن أن يبزغ في سماء الطرح ، أو حتى اقتحام آفاق جديدة كامنة تحت إحدى طبقات السائد الذي تحاول هذه التصورات أن تحركها أو تخلخلها من مكانها ..!! إذن، فإن الإقدام على مثل هذا العمل سيكون بمثابة المحاولة التي تسعى لتأسيس العزلة والانعزال ، وانبتات التواصل في فضاء الفكر والثقافة ، وليس سوى ذلك و لأننا نصر فعلاً على مجافاة هذا المسلك فقد قصرنا غاياتنا على إرساء نوع من الممارسة الثقافية تقوم على إحداث مقاربات شاملة ومنسجمة لعلاقات الطرح ، بالقدر الذي يؤهل القارئ للمتابعة الموضوعية للشواغل الجوهرية التي تؤرق الكاتب الراحل ، بل ومراقبته بعمق وهو يؤسس لهذه الشواغل ما تفتقر إليه من مفاهيم وقواعد وتصورات ، ويذلل أمامها العقبات ، عقبة عقبة ، على امتداد المساحة الواسعة التي يتحرك فيها و ذلك حتى لا تضيع من بين يدي القارئ فرصة القبض على معالم الموضـوع وأطره ومنطلقاته والهواجس التي تحركه في زحمة التنوعات اللفظية والعبارية والسياقية تلك المعالم التي يؤسس لها الباحث هنا وهناك لأجل خدمة شواغله الجوهرية التي عقد بحوثه بقصد تدشينها في عالم الفكر والثقافة .

خطـــــــوات :

لقد اخترنا أن نقوم بإنجاز جملة من الخطوات الأساسية التي رأينا من خلال قراءتنا التحليلية لفصول الكتاب أنها تفي بالغرض الذي لأجله عقدنا نواصي هذا البحث و إن بدا أننا قد تخطينا بعض الأمور التي تُرى عن بعد أنها على درجة عالية من الأهمية ، فإن المقتحم لأعماق الطرح سيلاحظ بوضوح أنها لا علاقة لها البتة بأية معادلات اندفع الكاتب لتأهيلها أو توكيدها عبر ممارسته الفكرية هذه ، ولذا فقد اتجهنا إلى تدشين خمس خطوات مهمة ، وهي :

الأولى :  وضع تصور مناسب لطرح الفكرة نحاول فيه عقد حوار سريع يلخص أطروحة الكاتب بشكل متسلسل ومكثف ، لأجل تقريبها إلى ذهن القارئ قدر الإمكان و هنا وإن لم ندّعِ أن ذلك سيكون صورة مستنسخة طبق الأصل من فكرة الكاتب ، بيد أنها ستعكس هذه الفكرة بالقدر اللاّزم الذي يحافظ على جميع عناصرها الجوهرية دون أية أخلال و يرجع ذلك إلى تناثر أفكار الباحث بين جملة من المقولات المتباينة ، التي  يعلوها الغموض والالتباس أحياناً ، والتركيب والاقتضاب أحياناً أخرى ، فضلاً عن اندماجها في سياقات معرفية وثقافية متنوعة ، لا تعبر عن حقيقتها بالفعل ، مما يستدعي- دون شك-  مجهوداً كبيراً لأجل التقاطها وجمعها ، وهو ما يُحْوِجُنا إلى قدر غير قليل من التحليل والتتبع والمقارنة ، وقراءة النصوص ببعضها البعض .

الثانية : محاولة استخراج القواعد والمبادئ المستترة تحت جلد الأسيقة والعبارات والجمل التي لا تبدو لنا بهيئة مقعدة وبسيطة ومؤصلة ، جاهزة للاستعمال والمساءلة .

الثالثة : محاولة الكشف عن نوعية المناهج المستخدمة في البحث ، ونوعية المرجعيات البديل التي اعتمد عليها الكاتب في تقرير أحكامه وموضوعاته .

الرابعة : تقديم خلفيات مركزة للمفاهيم المحورية التي تقوّم المنظومة الفكرية للكاتب – حسب الطرح – مع رسم خريطة عامة للعقبات التي تصورنا أنها واجهته بالفعل وكيف تمّت معالجتها من ِقبَله في تصورنا لأجل التحرر والإفلات من قبضتها .

الخامسة : محاولة تقديم لمحات واضحة و أكيدة عن مدى نجاح الكاتب أو عدم نجاحه في تحقيق الانسجام بين ما قدمه من أفكار وتصورات وبين المفهوم المحوري الذي يفترض أن الكاتب قد اعتنى بتأسيسه ، باعتباره الأساس الذي يقوّم البناء الديني برمته ، ونعني بذلك ” مفهوم الله تعالى وعلاقته بمخاليقه البشرية  ” أو ” علاقة الرب بعبيده ” ، والذي لا يمكن لأي مفهوم للدين أو لوظيفته أن يتحدد بدونه ، مما يطيح بأية محاولة لتأهيل البحث ليكون عملاً فكرياً معنياً بتقديم أطروحة ذات علاقة بالدين أساساً .

يتبع 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :