إنه عنف من نوع آخر !

إنه عنف من نوع آخر !

فريدة الحجاجي

كثر الحديث في الفترة الاخيرة عن مسألة “الجنسية” وعلاقتها بالمترشحين للانتخابات التي ستقام عاجلاً أم آجلاً في ليبيا ، اذ تدور الشكوك حول ازدواجية الجنسية لبعضهم الامر الذي يحول دون ترشحهم ، ولكن بسبب رفض بعض الدول تقديم معلومات رسمية عن حاملي جنسيتها ، يبقى احتمال وصول شخص من فئة الـ (دبل شفرة) الى سدة الرئاسة في ليبيا قائماً ! تختلف قوانين منح الجنسية من بلد لآخر حول العالم ، فهناك دول تمنح جنسيتها للمقيمين على اراضيها اقامة قانونية دائمة ، وبالامكان التجنس عن طريق الزواج وذلك بعد مرور مدة يحددها القانون ، وتُمنح الجنسية ايضاً لطالبي اللجوء الفارين من الاضطهاد في بلدانهم ، وهناك دول تمنحها للطفل المولود على اراضيها بغض النظر على جنسية والديه، واخرى تشترط بلوغه السن القانونية ليقدّم الطلب بنفسه ، بلدان اخرى تقوم بمنحها لذوي الكفاءات المميزة ولكبار المستثمرين وللمهنيين المهرة بهدف اشراكهم في النهوض باقتصادها الوطني . وهناك العديد من الدول التي تقبل بازدواج الجنسية ولا تشترط التخلي عن الجنسية الاصلية ، ومتى تحصّل الشخص على الجنسية (سواء كان رجل أو امرأة) يصبح للاطفال حق الانتساب بجنسية والديهم حتى وان ولدوا في بلد آخر ، وهذا الحق ينتقل بدوره الى اطفالهم .. وهكذا دواليك .القانون في ليبيا يعتبر اطفال الليبي المتزوج بأجنبية -حتى لو كانوا مولودين ومقيمين بالخارج- “مواطنين ليبيين” ، بينما لا يسمح للمرأة الليبية المتزوجة بغير الليبي بنقل جنسيتها لأطفالها حتى لو كانوا مولودين في ليبيا ومقيمين بها طوال حياتهم ، فهم “أجانب” ليس لديهم حقوق مدنية ويعانون باستمرار من مشاكل الحصول على تصاريح الاقامة ، لا يمكنهم التملك ولا يمكن للأم نقل إرثها اليهم ، ويعيشون في خوف دائم من الترحيل والشعور بعدم الامان والانتماء والاستقرار ، وتصبح المرأة وأطفالها في وضع صعب للغاية في حالة غياب الاب بحثاً عن لقمة العيش او بالطلاق او بالوفاة ، وان كانت العائلة تعيش في الخارج يصبح من الصعب جداً على الأم العودة الى بلادها بصحبة طفل “اجنبي” !في منطقتنا العربية هناك دول شهدت عدد كبير من الاصلاحات تخص قوانين منح الجنسية ، لتكون متوافقة مع دساتيرها التي تنص على تساوي المواطنين دون اي تمييز بينهم ، وهي : مصر والجزائر والمغرب وتونس واليمن والعراق ، فقد دعمت هذه الاصلاحات حق النساء في منح جنسيتهن لأطفالهن (العراق اشترطت ولادة الطفل داخل حدود الدولة) ، في تونس والجزائر دعمت الاصلاحات ايضاً حق النساء في منح جنسيتهن لأزواجهن . بينما في ليبيا لازلنا نعاني من نظرة مجحفة ومن بقايا موروث ثقافي قديم كان يعتبر المرأة جزء من الارث والمتاع تتحكم في مصيره العقلية الذكورية السائدة انذاك ، وحتى عندما جاء الاسلام وجعل لها ذمة مالية مستقلة وحصة في الميراث بات -وفقاً لنفس العقلية- أمراً ضرورياً حصر زواجها بالاقارب للحفاظ على الثروات (خصوصاً ملكية الاراضي) والابقاء عليها داخل نطاق القبيلة وعدم تسربها الى “البرّانيّ” الذي ينتمي لقبيلة اخرى ! وفي وقتنا الحالي اصبح هذا البرّاني هو كل مَنْ ينتمي لأي دولة اخرى غير ليبيا ، والذي يُخشى ان تتسرب له بعض “البراميل” من ثروة البترول الليبي ان تزوج بمواطنة ليبية ، والتي سيطالها الكثير من الاستنكار والاستهجان لخروجها بهذا الفعل “المشين” عن العادات والتقاليد بزواجها من خارج حدود الدولة (القبيلة) ، ولذا سيبقى أطفالها بموجب القانون مجرد اجانب لا يمكنهم الارتقاء الى درجة “مواطنين” . البعض يدعم اعتراضه على نقل المرأة جنسيتها لأبنائها بالاستشهاد بالآية الكريمة : “ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله” صدق الله العظيموفي ذلك خلط للمفاهيم ، فالآية تتعلق بمسائل التبني الذي كان منتشراً قبل الاسلام ، والمعنى هو “انسبوهم الى الذين ولدوهم أي الى أهاليهم الحقيقيين” فهو أعدل عند الله .ينبغي علينا عدم الخلط بين رابطة الدم والجنسية ، فلو اخذنا مثالاً شخص يُدعى : عبد السلام عثمان بوعجيلة .. من البديهي ان عبد السلام سيبقى نسبه لأبيه عثمان وانتماؤه سيكون لعائلة بوعجيلة سواءً كان يحمل جنسية اباه أو جنسية أمه أو جنسية كليهما معاً ..لأن الجنسية هي عبارة عن الصلة القانونية بين عبد السلام ودولة ما ، وتنشأ عن هذه الصلة حقوق وواجبات لكل من الطرفين تجاه الآخر ولا تتغيّر بموجبها رابطة الدم ، فلا خوف على عبد السلام الذي سيظل نسبه لأبيه عثمان بوعجيلة الى ان يفنى الله الارض وما عليها .في البلدان التي تبنّت قانون الارض (قانون مسقط الرأس) الذي يعطي للطفل حق اكتساب جنسية البلد الذي وُلِد فيه بغض النظر عن جنسية والديه ، وايضاً تلك التي تبنّت قانون الدم (حق الدم) الذي يعطي للطفل حق اكتساب جنسية الاب او الام عند الولادة بغض النظر عن مكان ولادته ، اكدت الدراسات ان تطبيق هذه القوانين يعود بالفائدة الجمة ليس على الافراد فقط وانما على الدول انفسها ، فهو يدعم وحدة الاسرة واستقرارها وينمّي الشعور عند أفرادها بالانتماء وبالتالي ترابط واستقرار المجتمع ككل، كما يحسن من رفاه الاجيال الجديدة ويسمح للمزيد من الافراد المساهمة في تنمية البلاد اقتصادياً واجتماعياً .. بل وحتى أمنياً !وما أحوجنا لكل ذلك .. لقد آن الاوان لكي نقف في وجه هذا العنف المستتر وهذا الظلم الممارس ضد المرأة الليبية ونطالب بأن ينص القانون الليبي بصورة واضحة وجلية على أنه

** يكون ليبياً كل مَنْ وُلِد لأب ليبي ( أو ) لأم ليبية **

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :