ابحث عنها خارج تبستي

ابحث عنها خارج تبستي

حسن بدي محمد كدين

لا يختلف اثنان من التبو على أن تبستي منبع التبو، تجمعت فيها القبائل التباوية الست والثلاثين الباقية ومن ثم انتشروا مجدداً على الأقاليم التي يقطنون فيها حالياً.

كما تُعدّ تبستي الحاضنة الطبيعية التي يلجأ إليها التبو عند المخاطر. انطلاقاً من هذه المقدمات يعتقد كثير من التبو أن اللغة التباوية هي اللكنة التي يتحدث بها تبو تبستي فقط، وإن أية كلمة غير معروفة في تبستي تُعدّ غير تباوية ودخيلة على اللغة التباوية!

هذا الأمر الذي يعده البعض مُسَلّمة لا يمكن النقاش عنها أثار فضولنا، وقمنا بالبحث عنها، ومن دون عناء انتهينا إلى عدم دقة مذهب هؤلاء.

نظراً لعزلة إقليم تبستي لعقود من الزمن، وعدم اختلاط سكانه بالغير إلا ما ندر في رحلاتهم التجارية الطويلة، بقيت التباوية فيها نقية خالية من الكلمات الدخيلة.

هذا الأمر صحيحٌ من ناحية نقاء تباوية تبستي، ولكنه غير صحيحٍ فيما يتعلق بكمالها. العزلة التي فرضت نفسها على سكان تبستي أدت إلى عدم معرفتهم بالكثير من الأشياء الجديدة التي ظهرت في البلاد المجاورة لهم.

ففي فزان في ليبيا وكوار في النيجر اللتين تعتبران أهم إقليمين تباويين خارج تبستي، نجد أن التباوية فيهما أكثر كمالاً من تبستي، ففي هذين الإقليمين نجد العديد من الكلمات التي لا يعرفها سكان تبستي نظراً لعدم وجودها ولعدم عهدهم بها.

فعن المساكن التباوية مثلاً، في تبستي لا يملك التبو مساكن كبيرة ذات غُرف متعددة كتلك الموجودة في فزان، فمساكنهم في العادة تتكون من حجرة واحدة مصنوعة من الخوص، أو الحجارة.

وبالتالي لا يحتاجون إلى أسماء خاصة بحجرات البيت لعدم وجودها. بينما في فزان، حيث بيوت التبو واسعة وتتكون من عدد من الحجرات، نجد أن لكل حجرة من حجرات البيت اسماً خاصاً بها. فعن حجرة النوم يطلقون عليها اسم شگيهة « šîgihe »، وعن المطبخ هوگودي « hôgodi »، وعن المخزن tôli، وعن الصالة bilaa، وعن بيت الرّاحة كوگونوم « kogonom »، ربما هذه الكلمة الأخيرة يكثر استعمالها من قبل الناطقين بالكانورية في كوار، إلا أن وحدة أصل اللغتين والترابط بين الشعبين لا يمكن أن نقول إنها غير تباوية. يمتد وجود كلمات تباوية غير معروفة في تبستي إلى قواعد المجاملة، فكلمة الشكر التي تعني بالتباوية « hôrsondi » اختفت في تبستي، بينما في كوار والصحراء بالنيجر لا يزال التبو يستعملون هذه الكلمة للتعبير عن الشكر بكثرة، ولا يستعملون كلمات غير تباوية.

وفي هذا المجال لاحظت مؤخراً محاولة بعض التبو استعمال كلمة وشه « wiše » كمقابل لكلمة الشكر العربية!

رغم اختلاف معنى كلمة وشه عن معنى كلمة الشكر العربية، فكلمة وشه تعني باللغة العربية مرحى أو براڤو، وتستعمل للتشجيع ولا تستعمل للتعبير عن الشكر.

كما توجد كلمات أخرى عديدة غير معروفة في تبستي يستعملها تبو كوار والصحراء في النيجر، فمثلاً كلمة الانتخابات التي تعني باللغة التباوية والاوالا « walawala »، غير معروفة في تبستي لعدم عهدهم بالانتخابات.

عليه، عند البحث عن مرادفات تباوية للتعبير عن مفاهيم حديثة لا ينبغي التنقيب عنها في تبستي فقط، بل ينبغي البحث عنها في كل أرجاء بلاد التبو. سواءٌ في فزان أو كوار أو الصحراء أو غيرها من بلاد التبو، حيث انفتاح المجتمع التباوي على المجتمعات الأخرى، وبالتالي إمكانية تطور اللغة التباوية فيها أكبر من تطورها في تبستي التي لا يزال يعيش سكانها بعضاً من عزلتهم التاريخية

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :